إبحث

20 أبريل 2023

الجيش يزايد والدعم السريع ينادي بالديمقراطية!

عبد الفتاح البرهان (يمين) وحميدتي (يسار)
صورة محمود حجاج (الاناضول/الفرنسية)


"دحر" الدعم السريع غير ممكن عملياً، إلا بتكلفة إنسانية وسياسية عالية، حكمة الواجب المباشر الآن تتطلب الوقف الفوري للحرب والرجوع للحوار. مسألة إدماج الدعم السريع في المؤسسة العسكرية مسألة جوهرية للتحول الديمقراطي، لكن ليس لها غير أن ترجع لتكون جزء من أجندة عملية سياسية. بالمقابل، فإن الدعم السريع وإن نجح في السيطرة على مواقع استراتيجية أو حقق افضلية ميدانية على الجيش في بعض المناطق فهو في النهاية لن يكون بديلاً عنه كمؤسسة دولة.


العملية السياسية في شكلها "الإطاري" إنتهت، فالحرب الدائرة الآن في البلد تفرض بالضرورة واقع جديد يتطلب رؤية ومساعٍ جديدة أولى أولوياتها هو تشكيل جبهة وطنية موحّدة ضد الحرب الأهلية تقوم بدور الوساطة الرئيسي بين الطرفين بجانب الجهود الإقليمية والدولية. عجز القوى السياسية عن المبادرة أو تلكؤها في اتخاذ موقف موحد سيطيل أمد الاقتتال ويرهن إيقاف الحرب بالتوازنات الإقليمية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه ليكون السودان ساحة للصراع الإقليمي المباشر وحروب الوكالة.


رغم الإجماع السياسي الضمني، وهو إجماع بالبداهة، ضد تعدد الجيوش ومراكز القرار في الدولة، على مؤسسة الجيش السوداني أن تستوعب فعلاً أنها غير محل ثقة للسودانيين والقوى الديمقراطية، فقد حان الوقت لقيادات الجيش بمواجهة مشكلتهم الأساسية بشجاعة؛ وهي أن الجيش تاريخياً هو المقوّض الرئيسي للديمقراطية في السودان وهو الآلة الرئيسية للحرب ضد السودانيين، وفي آخر ثلاثين سنة أصبح محتكراً بالمجمل من قبل الحركة الإسلامية ومشروعها الذي أنتج الدعم السريع نفسها. لا يمكن للجيش، ولا يحق له، أن يحتكر الوطنية أو يزايد على السودانيين بينما ظلت مؤسسته تقوض تطلعاتهم في الديمقراطية والسلام منذ ما قبل الاستقلال.


موقف السودانيين من حميدتي ومن قواته كذلك سيظل لفترة طويلة كموقفهم من الجيش نفسه، محل ريبة وشك. فاسم الدعم السريع مرتبط اساساً بارتكاب جرائم إبادة  في دارفور، وفي الخرطوم ما تزال ذاكرة فض الإعتصام قريبة.


إلا أن التحوّل في الخطاب الإعلامي لحميدتي و الدعم السريع هو فعلاً تحول يستحق الانتباه، ففي بياناته الأخيرة أعلن الدعم السريع أن قواته تحارب "من أجل الديمقراطية" وضد "جماعة الهوس الديني". ورغم أن هذا خط جديد وهو، بالضرورة، خط انتهازي فرضته تكتيكات الحرب الاعلامية، وقد يكون موجه للاستهلاك السياسي الخارجي بالأساس، لكن تظل مسألة اختياره لهذا الخطاب بالذات، خطاب الدعوة للديمقراطية والمواجهة مع الإسلاميين هي مسألة ملفتة ومؤشر لتوجه جديد أهم ملامحه هو القطيعة مع حلفاء الأسبوع الماضي. وهي لعمري قطيعة ناشفة. فلأول مرة يجد الجيش نفسه في مواجهة حرب جادة داخل الخرطوم نفسها، الأمر الذي لم تنجح حتى الحركة الشعبية بقيادة الراحل دكتور جون قرنق في تحقيقه طوال عقدين من الحروب.


وبالنسبة للإسلاميين، فقد أنشأ نظامهم قوات الدعم السريع في البداية كمليشيا قبلية بغرض القضاء على "التمرّد" في دارفور (كان اسمها حرس الحدود)، ولاحقاً تم تقنين وضعها (بمسمّى الدعم السريع) وتطوير تسليحها واتبعت لعمر البشير لحماية النظام في حال "تمرّد" الجيش. اليوم تتمرّد قوات الدعم السريع على الجيش نفسه بدعوى تخليصه من الإسلاميين، فانطبق عليهم المثل السوداني: "التسويهو بإيدك، يغلب أجاوديك".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقك أدناه