إبحث

16 فبراير 2018

"وزنة البُلُوفه" في وجدان عبد الله علي إبراهيم

عبد الله علي إبراهيم


أثناء كتابة هذا المقال هناك مئات من المواطنين في مدن السودان المختلفة مازالوا رهن الإعتقال على خلفية إحتجاجات سلمية في يناير الفائت بسبب السياسات الاقتصادية. لم توجّه تهم محددة للمعتقلين ولم يقدموا لمحاكمات عادلة، ومعظمهم لا تتوفر معلومات عن أماكن وظروف إعتقالهم أو هوية من إعتقلوهم، مما يجعلها عمليات إختطاف وإخفاء قسري ممنهجة.

-----

في مقاله المنشور على حسابه في فيسبوك بتاريخ ١٤ فبراير الفائت (أنقر هنا لتقرأ المقال من سودانايل)، لم يجد الأستاذ عبد اللّه علي إبراهيم غير مقارنة عجيبة بين الدكتور فاروق محمد إبراهيم: منسق الهيئة السودانية للحقوق والحريات، وصلاح قوش: مدير جهاز الأمن والمخابرات، لبيان وجهة نظره في ما قد يبدو أنه مقال عن جمود النخبة السودانية وعطالتها الفكرية.

النظر وجهات، والشوف زوايا، والأمثلة المضروبة هي نفسها قول وإشارة عن طبيعة المنطق الذي يحملها، فهل ضاقت الرؤية وعزّت العبارة فعجز الإفصاح إلا بوضع فاروق محمد إبراهيم في ذات المقعد الذي يتبوأه صلاح قوش بإمتياز؟!

الرابط العجيب بينهما عند عبد الله هو أن كلاهما ذاق مرارة الإعتقال والسجن!

يقول كاتبنا الكبير أن "جمعية فاروق" لم تستجب لنداءاته بالتحقيق في إنتهاكات الحركة الثورية في أبو كرشولا، في حين أنها أصدرت بياناً تطالب فيه بإطلاق المعتقلين السياسيين في إحتجاجات يناير الأخيرة، وهو يرى في ذلك تناقضاً و "زيغاً حزبياً" (في نخسه معتادة منه للحزب الشيوعي) لا يجوزان في الشأن الحقوقي، وهي لعمري قولة حق أريد بها باطل، وحنك بيش مفضوح.


فاروق محمد إبراهيم - صلاح قوش

لا نعرف ما هي حكاية نداءات عبد الله في موضوع أبو كرشولا ولا حيثيات عدم إستجابة جمعية فاروق لها، وقد كان الأحرى بأستاذنا عرض القضية وبذلها لنا لنكون على بيّنة من أمرنا في مثال من أزمة نخبتنا، لكنه لم يفعل،  واستسهل بالمقابل إقامة مقارنة بائسة بين تعرّض أحد الناشِطين المدنيين المدافعين عن حقوق الإنسان للإعتقال والتعذيب، والقبض على أحد العسكريين المسؤولين عن تلك الإنتهاكات على خلفية صراع بين أطراف عسكرية حول السلطة.

قارئ المقال يظن أن أبواب تحرّي الحقائق وكشف الإنتهاكات في بلادنا مفتوحه على مصارعها لجمعيات حقوق الإنسان، وتلزمهم الملامة إذ لم يجدّوا في طلبها؛ فهل نحتاج بعد ثلاثين عاماً للقول أن المشروع الأساسي لنظام "الإنقاذ" قائم على الإنتهاكات، يوظّف موارد الدولة المادّية والبشرية لمناهضة حقوق الإنسان والتنكيل بالمدافعين عنها؟!

أم تراه عبد اللّه يشير إلا أن الباب في موضوع أبو كرشولا تحديداً مفتوح لأنه يصب في مصلحة النظام، فسمح لنفسه بالإنتقاء حين عابه على جمعية فاروق!
أوهل يصعب إنتقاء قائمة طويلة عريضة من القضايا الحقوقية المعينة دون غيرها ثقُلت على قلمه فتجنب تناولها ولو عرضاً؟ (واقعة الأحفاد كمثال قريب ملأ الدنيا وشغل الناس).

لقد سال حبر كثير حول أزمة نخبتنا وعجزها عن التعلّم من التجربة، وكُتبت الكتب عن "إدمانها للفشل"، وما تزال معطيات الفضاء العام، لا سيما الفكري والسياسي، تشير إلى أن الحاجة قائمة لمزيد من الكتابة حول مِحَن هذه النخبة وأزماتها المتشربكة، إلا أن منطق هذا المقال يحتاج إلى "وزنة بلوفه" من أستاذنا، فهو من نفس مادة الأزمة التي أراد أن يخاطبها.

أما "حزنه الشديد" (إقرأ: صدمته) من تصريحات قديمة (قبل خمس سنوات) لصلاح قوش التي أكّد فيها تجديد البيعة للحركة الإسلامية والإنقاذ تشي بإن "لعنة الصفوي" قد طالته فبات "عديم الوجدان" ذاهل عن طبيعة مشروع الحركة الإسلامية و عن موقف الإنقاذ و "الإنقاذيين" من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأصبح لا يفرّق بين الظالم والمظلوم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقك أدناه