أم دارفورية لاجئة وطفلها في منطقة باهي، تشاد Photo: Peter Biro/IRC |
- بقلم إيمان التيجاني، فبراير 18، 2013.
- ترجمة عبد العزيز كَمْبالي
::::::::::
لإحياء ذكرى بداية النزاع في دارفور قبل
عشر سنوات، إيمان التيجاني تتذكّر إحدي الناجيات.
::::::::::
هذا الشهر يؤرّخ لذكرى مرور 10 سنوات على بداية الصراع في دارفور، ففي عام 2003 حَمَل متمردون السلاح في وجه حكومة الخرطوم متهمين الرئيس عمر البشير وحكومته بتهميشهم. منذ ذلك الوقت قُتل ما يصل إلى 300,000 شخص ونَزَح حوالى 3 ملايين.
بالرجوع إلى الماضي، وضِمْن مساعيهم السابقة
للحوار، لم تستطع مختلف المجموعات السودانية الإتفاق على تاريخ محدد لبداية الصراع
في دارفور، فقرروا – تبعاً لذلك – أن يعرّفوا كل الشهر كتاريخ للبداية.
في حوالي هذه الفترة من عام 2004، حَمَلت فاطمة – الفتاة ذات الـ 15 عاماً من دارفور – بطفلة، بعد ما تم اغتصابها أمام اسرتها من قبل افراد من مليشيات الجنجويد. كانت الأزمة الإنسانية في السودان ما تزال حديثة على الإعلام في ذلك الوقت، فإنتشرت قِصّة فاطمة على نطاق واسع في المحافل الدولية.
قبل بضعة أيام، حضرتُ محاضرةً حيث ذكر المتحدث حملة Save Darfur سيئة السمعة مما أثار ذكرياتي عن الماضي غير البعيد عندما كنت أعمل
في جنوب دارفور. فبالرغم من أنني عملت بالمنطقة لمدة 4 سنوات، إلا أن ذكري واحدة
تبدو لي أكثر وضوحاً من غيرها: ذِكراي عن مرأة
علّمتني دروساً جبّارة عن الكرامة والتعاطف، الحكمة والشجاعة – إسمها فاطمة.
كنّا، أنا وصحفي آخر، نزور معسكراً للبحث عن قصة يمكن أن تعبر عن الأعمال
الوحشية التي كانت تُرتكب، وللحديث إلى الناس الضعفاء الذين نزحوا داخلياً يبحثون
عن مأوىً لهم. وفجأة همس معلم المدرسة في أذني: "هل تريدين مقابلة فتاة وضعت
طفلها حديثاً بدون زواج؟". ناقشت الإقتراح مع زميلي ووافقنا على رؤيتها.
نازحات دارفوريات في إنتظار المساعدات - غرب دارفور يُقدّر عدد النازحين بسبب النزاع في دارفور حتى فبراير 2008 بـ 2.7 مليون نازح Photo: Lynsey Addario for The New York Times |
تم أخذنا إلى غرفة دراسية كبيرة تم احتلالها بالكامل من قبل 10 عائلات مشرّدة،
وبعد دخولنا بقليل خرج سكان الغرفة مسرعين للإستجابة لنداء توزيع الأغذية، حينها
فقط لاحظت وجود أم وحيدة في الركن ترعى طفلتها المولودة حديثاً. رحّبت بنا الأم اليافعة وعرّفت نفسها بـ
"فاطمة"، ثم قبعت ساكتة. لم نكن متأكدين من الطريقة المناسبة للتواصل
معها، خصوصاً بعدما رأينا كيف كانت مرهقة وعاجزة في مواجهة هذا الموقف المرعب. لكنها
استطاعت في النهاية أن تعكس لنا كيف تمت أذيتها وكيف أن أسرتها قد رفضت طفلتها.
بعد سماع تجربتها، أردنا أن نفعل شيئاً
لمساعدة فاطمة، وخلصنا إلى أنها تريد أن تكون بعيدة من أسرتها لبعض الوقت. وكأي موظف
من الطاقم الوطني يعمل في هيئة غير حكومية، كنت اعرف أنني لا استطيع نقل فاطمة إلى
مكان آمن في سيارة الهيئة، ولا استطيع أن اسكّنها في إحدى المرافق التابعة لها. كما
كنت اعرف أن غالبية الموظفيين الدوليين لا يكترثون لمعاناة السكّان المحليين.
لكنني كنت محظوظة لحصولي على مدخل لعدد من
الأصدقاء والزملاء من عمّال الإغاثة الذين ابدوا تعاطفهم وكانوا يستطيعون تجاوز
القواعد والنظام فأمّنوا لفاطمة مكاناً في مركز للتغذية الخاصة لمدة شهرين. ومن
هناك بدأَت تتردّد على مركز الصدمات النفسية، وقد تعلّمت أنه بالرغم من أنها لن تعود
أبداً لقريتها، فهي تحتاج لمداواة جرحها وتصبح قوية، لتواجه أسرتها ومجتمعها من
جديد.
في السنوات التالية، قلّص بعض المانحين
تمويل العمليات في دارفور بينما أجبَرت الحكومة منظمات أخرى على مغادرة البلاد. لم
أعد اعرف أين هي فاطمة الآن، ولا ما إذا كانت
طفلتها قد استطاعت أن تنجو في ظل الأوضاع في المعسكرات. وإذا نَجَت، فهل تمكّنت من
الذهاب للمدرسة، أم اصبحت طفلة مجنّدة مع المتمردين، أم التحقت بالمليشيات الحكومية؟
لاجئة تصل إلى معسكر في تشاد Marco Longari / AFP-Getty Images |
الفرص المحدودة المتوفرة للناس في
المعسكرات، وفترة عَقْد من الحرب، وحالة الإعتماد على الغير الناتجة عن ذلك، تجعل من
الصعب على المجتمع أن يصبح منتجاً مرة أخرى. لكنني أصلّي من أجل الأمهات اللاتي
عليهن أن يكن حصيفات ويتحلين بالشجاعة ليحمين أطفالهن من الحكومة، والمتمردين، ومن حالة
الإعتماد على الغير التي هي من تداعيات
النوايا الحسنة للإغاثة.
أثناء زيارتي الأخيرة لفاطمة، ودعتني
بكلمات تبعث على الإطمئنان: "إبنتي سوف تجلب السلام لدارفور، لأنها ستسامح أبوها وتحب
أمها".
لقد تعافت فاطمة بطريقتها الخاصة، نَجَت من الصّراع وحمت طفلتها، لذلك فأنا أُحْيِي
ذكرى الصراع في دارفور بتذكّر فاطمة، لا اليوم الذي بدأت فيه معاناتها، لعلّنا نرى ذلك
اليوم من المستقبل الذي سيتحقق فيه الوَعْد بنهاية تلك المعاناة، من خلال شجاعة
وحكمة الناس من أمثالها.
---------
- أنقر هنا لقراءة النص الأصلي للمقال
- و هنا لمعلومات مفصّلة عن النزاع في دارفور (باللغة الإنجليزية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أكتب تعليقك أدناه