الفاصوليا السوداء - Black Beans |
كتبت فرانشيسكا أنجيليني موضوعاً في التايمز البريطانية، 4 نوفمبر 2012، يعرض جوانباً من كتاب "المناطق الزرقاء: دروس لحياة أطول من الناس الذين عاشوا الأطول" للكاتب والمستكشف الأميريكي دان بوتنر. الكتاب نشرته الجمعيّة الجغرافيّة الوطنيّة. أنقر هنا لتحميل الموضوع في ملف PDF. ترجمة عبد العزيز كَمْبالي.
**********
في خمس "مناطق زرقاء" من لوما ليندا إلى أوكيناوا، العيش حتى الـ 90 هو أمر عادي، فهل لنا أن نتعلّم شيئاً من سكّان تلك المناطق؟
واحدة من الأشياء التي يحب ستاماتيس موريتيس أن يفعلها كل صباح في فصل الصيف هي الصعود إلى داخل برميل التخمير في نهاية حديقته وتعفيص القريب Grape. وبما أن زوجته إلبينيكي تعتقد أن برميل التخمير قذر ومثير للإشمئزاز فهي تأخذ السلّم وتتركه هناك على سبيل العقاب.
كان يشعر بالبهجة، فالنبيذ هو إحدى ملذّاته في الحياة، وعلى مدي الـ 30 سنة الماضية أقام موريتيس حقلاً للكَرْم في باحة منزله الصغير في إيكاريا Ikaria، وهو ينتج 400 جالون سنوياً.
وفقاً لتقديرات الأطباء فإن موريتيس من المفترض أن يكون ميتاً منذ زمن طويل، فعلى إثر تشخيصه بالسرطان بواسطة أطباء في أميريكا في عام 1976م وإمهاله 9 شهور فقط ليعيش، غادر موريتيس، المحارب القديم، إلى مسقط رأسه في إيكاريا، الجزيرة الواقعة في بحر إيجَه على بعد 30 ميلاً من الشاطئ الغربي لتركيا، ليموت هناك.
وفضلاً عن أنه لم يأخذ أي علاج طبّي فهو الآن يبلغ 97 عاماً، خالٍ من السرطان ويعيش حياة غنية، عاد قبل بضعة أعوام إلى أميريكا يقابل الأطباء الذين شخصوه. لقد كانوا جميعاً موتى.
موريتيس أبعد ما يكون عن كونه العجوز الوحيد في الجزيرة فهي تحوي أعلى نسبة من المعمّرين في العالم وثلاثة أضعاف باقي اليونان. ضمن الآخرين رجل عمره 95 عاماً مازال يعزف على الكمان، وإمرأة عمرها 98 عاماً تدير فندقاً، ورجل عمره 102 عاماً يمكنه أن يهزم أى شخص تقريباً في مصارعة الأيدي.
موريتيس أبعد ما يكون عن كونه العجوز الوحيد في الجزيرة فهي تحوي أعلى نسبة من المعمّرين في العالم وثلاثة أضعاف باقي اليونان. ضمن الآخرين رجل عمره 95 عاماً مازال يعزف على الكمان، وإمرأة عمرها 98 عاماً تدير فندقاً، ورجل عمره 102 عاماً يمكنه أن يهزم أى شخص تقريباً في مصارعة الأيدي.
ليس فقط أن الإيكاريين لا يموتون، إنهم يظلّوا أصحّاء.
منذ عام 2008م بدأ دان بوتنر – الكاتب والمستكشف – يدرس الجزيرة ليكتشف أسرارها. وقد تعاون بوتنر مع الجمعية الجغرافيّة الوطنية قبل 10 اعوام موظّفاً أفضل الباحثين في العالم في مجال طول العمر، ليحدّد الجيوب حول العالم حيث يعيش الناس لفترة أطول نسبياً.
لقد حاولوا تحديد خصائص نمط الحياة في كل مكان قد يمثل الحياة الطويلة واسموها "المناطق الزرقاء Blue Zones"، وإيكاريا هي آخر مكان يتم إعتماده كحالة زرقاء.
المناطق الزرقاء - Blue Zones |
وهناك فقط 4 مناطق أخرى تشمل: أوكيناوا Okinawa في اليابان حيث يعيش السكان أطول بسبع مرات من الأميريكيين؛ ومنطقة بارباجيا الجبلية في ساردينيا Sardinia، وهي موطن لمعمّرين بعشرة أضعاف في كل 1000 نسمة مقارنة بمن يمكن أن نجدهم في بريطانيا؛ وشبه جزيرة نيكويا Nicoya بكوستاريكا في أميريكا الوسطى والتي لها المعدّل الأقل في وفيات منتصف العمر في العالم؛ ولوما ليندا Loma Linda في كاليفورنيا موطن طائفة السبتيين Seventh-day Adventists التي تتجاوز توقعات حياة افرادها المتوسط الأميريكي بحوالي العقد. إن عدد الذين يبلغون الـ 90 في كل هذه المناطق هم بين مرتين إلى ثلاث مرات أكثر مما في بريطانيا.
فما هو سرّهم ؟
"أسأل كل واحد من المعمّرين في هذه الأماكن وسيكون لديه نظرية" يقول بوتنر، "في لوما ليندا سيقولون لك لأن الله أراد ذلك. في سردينيا يرجعون الأمر إلى الهواء النظيف والماء النقي والنبيذ. في الحقيقة هؤلاء الناس ليس لديهم فكرة عن كيفية بلوغهم الـ 100 أكثر مما لدى الرجل الطويل عن كيفية كونه اصبح طويلاً".
بوتنر يؤمن أن الأمر لا يتعلق كله بالجينات. فالدراسات العلمية ترجح أن 25% فقط من كوننا نعيش طويلاً يعود للجينات، بينما الـ 75% المتبقية تعود لنمط حياتنا. بالإضافة إلى ذلك نضع في إعتبارنا أن بوتنر قد درس حياة الناس الذين يعيشون في تلك المناطق التي تتحدّى العمر.
واحدة من أكثر الأشخاص الرائعين الذين قابلهم هي بانشيتا كاستيلو في نيكويا. الآن عمرها 105 سنة، وهي تعيش في منزل خشبي ذو سقف قصديري يبعد حوالى ميل خارج القرية. خلال الست سنوات التي عرفها فيها، كان كل ما يذهب لرؤيتها يجدها في الخارج تكنس شرفتها ترتدي ثوباً ساطعاً وتتدلى من عنقها خرزات إحتفالية. "إنها إشارة إلى إقبالها الإيجابي على الحياة" يقول بوتنر.
بانشيتا كاستيللو |
"كل يوم تستيقظ كالعادة باكراً، تُصلّي، تذهب خارجاً لجمع البيض من دجاجاتها، وتطحن الذرة بالمطحنة. ثم يأتي تومي، إبنها ذو الـ 83 عاماً، راكباً دراجته ويتناولا الإفطار سوياً. وفي حوالى العاشرة صباحاً يساعدها طفل الجيران – الذي يعشقها – في إبعاد الدجاجات إلى مكانها، ثم تكنس شرفتها وتحش الحشائش التي تعدّت على منزلها قبل أن تتناول وجبة الغداء وتأخذ قيلولة".
مرتان في الأسبوع تمشي walk كاستيلو إلى المدينة وتعود لتحضر القدّاس وتذهب للسوق. نمط حياتها متطابق في شبه جزيرة نيكويا: لقد عملت بجد كل حياتها، متدينة، لديها نظرة متفاءلة، قريبة من أسرتها ومن المجتمع، وتعيش على نظام غذائي من الفاصوليا السوداء، الكوسا والذرة، تستكمله بالبيض والجبن واللحم.
من الناحية الثقافية فهي بعيدة جداً عن أوكيناوا حيث يجلس الناس على الأرض وغالباً ما ينتهي بهم الحال يؤدون 30 قرفصة في اليوم، أو عن ساردينيا حيث الأغلبية من الرعاة ويستمتعون بكأس من النبيذ الأحمر الداكن مع كل وجبة.
لكن الروتين اليومي للمعمّرين حول العالم هو في الحقيقة متشابه جداً. لنأخذ مثالاً في موريتيس وأصدقاءه في إيكاريا: يستيقظون بصورة طبيعية ويأكلون إفطارهم المكوّن من حليب الماعز، إكليل الجبل Rosemary، المريمية أو شاي الزعتر، العسل والخبز؛ يعملون في حقول الخضروات الموجودة في أغلب المنازل؛ يأكلون وجبة الغداء – مع أسرهم غالباً – والتي تحتوي على الفاصوليا، البطاطس والخضروات؛ يأخذون قيلولة، يتمشون لرؤية جار من أجل لعب الدومينو وأخذ كأس من النبيذ، ويعودون إلى البيت للعشاء المكوّن من الخبز والحليب ثم الخلود إلى السرير.
في الحقيقة رغم أنه يبدو أن هذه المناطق الزرقاء ممتدة حول العالم وتظهر اختلافات شديدة في نمط الحياة، إلا أن هناك عدة جوانب مشتركة بينها: "إنها أماكن تحتفظ بالتقاليد حيث لم تُحكِم الحياة الحديثة Modernization قبضتها بعد؛ حيث تقدّم العمر يُحتفى به كمقابل للشباب؛ حيث يوجد إرتباط بالأرض؛ وممارسة التمارين هو جزء من الروتين اليومي؛ وفيها نظام غذائي صحّي يتمثّل في كمية كبيرة من الفاصوليا وروح مجتمعية قوية" يقول بوتنر.
مثل هذه العادات الجيدة تُعدِي كما يقول بوتنر: "في إيكاريا يمكن رؤية كيف أن اسلوب الحياة هذا ينتشر" في إشارة إلى دراسة فرامنغهام للقلب Framingham Heart Study، وهي مشروع بحثي أمريكي طويل المدى ومستمر وجد أن فرصة الأفراد في أن يصابوا بالسمنة، تقفز بنسبة 57% إذا كانوا يتسكعون غالباً مع صديق سمين.
"أحد السكان الصغار الذي قابلناهم هي أنجيليكي كارامالي، 12 سنة، راعية ماعز. حتى وفاة جدتها مؤخراً، الأمر الأول الذي كانت تفعله عندما تأتي من المدرسة هو الجري إلى منزل جدتها الذي يقع بجوار منزلهم، لترى كيف قضت الجدة يومها. هذا النوع من الحب والإهتمام يعطي الكبار الإحساس بالقيمة، ويمكنك أن ترى أنجيليكا وهي تحمل سطل جدتها ذات الـ 85 عاماً. في الصيف وفي نهاية كل اسبوع تخرج إلى المرعي يومياً تسرح بالماعز، لا تبقى في الداخل لتلعب إكس بوكس Xbox"
أنجيليكي كارامالي |
ليس هناك سر واحد من أجل حياة صحّية طويلة. بدلاً من ذلك يتعلق الأمر بعدة عوامل، حسب بوتنر، من المحتمل أن يكون السر في تدوير العادات التي وجدت في تلك المناطق الزرقاء على مستوي العالم.
يعمل بوتنر منذ 2009م مع قادة ألبرت ليا Albert Lea في مينيسوتا، المدينة ذات الـ 18000 نسمة، حيث توقع الحياة هو 78 سنة فقط. المدينة الآن بها حدائق عامّة وممشى طبيعي حول بحيرتها، وبدأ السكان برامجاً للتمارين. المدارس اصبحت تقدم نظاماً غذائياً أزرقاً blue zone diet، والناس الذين كانوا شبه معزولين اصبحوا يتقاربوا ليكوّنوا مجتمعاً. نتائج تجربة بوتنر مدهشة، فقد زادت توقعات الحياة بمعدل 3.1 سنة.
"لقد وَكَزناهم ليُصبحوا مدينة صحيّة" يقول بوتنر، "نحن لم نجبرهم على ذلك". والآن لديه خطّة ليجتاح ولاية آيوا.
بينما هناك مُدُناً زيادة تستفيد من إكتشافات بوتنر وتحاول إعادة إنتاج عادات موريتيس وكاستيلو في إيكاريا ونيكويا، فإن العولمة لا محالة قد بدأت تصل تلك المناطق الصحيّة جارفةً في طريقها تقاليداً يمتد عمرها لقرون.
في إيكاريا، على سبيل المثال، البارات الساهرة والمشروبات الغازية بدأت تنتشر اكثر واكثر، وبوتنر يخشى أن خاصيّة الحياة الطويلة التي تميّز تلك المناطق باتت مهددة.
"المفتاح في أن ننتبه الآن، فالمحافظة على هذا الأمر مستمراً ليس بعيد المنال" كما يقول بوتنر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أكتب تعليقك أدناه