إبحث

11 فبراير 2013

المهندس خالد يوسف: لحظة سقوط النظام أصبحت قريبة

خالد عمر يوسف في ندوة سياسية - أم روابة

"التغيير الآن" هي إحدى حركات التغيير الشبابية الرئيسية في السودان. لعبت دوراً في إندلاع إحتجاجات 30 يناير 2011 حينما كان اسمها "لجنة تنسيق قوى الإنتفاضة" التي تكوّنت من عدة مجموعات أبرزها: مجموعة شباب الأحياء، مجموعة الأمل والتغيير، شباب الحزب الديمقراطي الليبرالي، شباب من أجل التغيير (شرارة)، حركة قِرِفْنَا، بالإضافة لمجموعة من الناشطين المستقلين.

إتفقت هذه المجموعات لاحقاً (عدا شرارة وقرفنا) على تكوين جسم موحّد لقوى التغيير، فأعلنت "ميثاق التغيير" الذي تم بموجبه التحوّل إلى "حركة التغيير الآن" في أبريل من عام 2011.

المهندس خالد عمر يوسف، المعروف ب "خالد سِلِك"، هو أحد قيادات "التغيير الآن" البارزين. من مواليد قرية فداسي الحليماب بولاية الجزيرة، نشأ وترعرع بين فداسي ومدني والخرطوم، من قيادات مؤتمر الطلاب المستقلين والحركة الطلابية بجامعة الخرطوم 1999 – 2003، شغل منصب السكرتير المالي في إتحاد الطلاب بالجامعة 2002 – 2003، تخرّج عن كلية الهندسة المدنية في 2003. أنتُخِب أميناً عاماً لحزب المؤتمر السوداني 2007 - 2009. متزوج وأب لثلاث بنات.

حاوره عبد العزيز كَمْبالي
فبراير 1، 2013.

:::::::::
- 30 يناير نقطة تحوّل في تاريخ السياسة السودانية.
- الحركة الطلابية قادرة على قيادة التغيير.
- لحظة سقوط النظام اصبحت قريبة.
- "الفجر الجديد" خطوة في الإتجاه الصحيح.
- التغيير الآن" مكانها في الشارع، ما في السلطة.
::::::::::

- قبل يومين مرّت الذكرى الثانية لإحتجاجات 30 يناير الشبابية. ماذا ترى بعد مرور عامين على إندلاعها؟
المُلاحَظ أنه منذ 30 يناير اصبح الشباب بصفة عامّة يعبرون عن إرادتهم بعيداً عن القوالب التقليدية من خلال أجسام يصنعونها هم، وحتى المتحزبين منهم يعبرون عن انفسهم خارج الأطر الحزبية ويشاركون في التظاهرات من خلال كيانات شبابية غير حزبية. وهذا يعني أن 30 يناير قد أرّخت لصعود جيل جديد في العمل السياسي يستطيع أن يخلق بدائله وآلياته الخاصّة.

ولو حاولنا قراءة الواقع السياسي منذ إنقلاب الجبهة الإسلامية، فسنجد أن السياسية بالنسبة للقوى المعارضة كانت سياسة مقاومة حتى جاءت نيفاشا التي احدثت رَبْكة في المشهد السياسي كلّه، فالناشطين السياسيين لا يعرفون العمل إلا في صيغتين؛ إما أنهم اعضاء في قوى مقاومة في مواجهة نظام ديكتاتوري أو أنهم مجموعات انتخابية في ظل النظام الديمقراطي. ونيفاشا لم تكن ديكتاتورية ولم تكن ديمقراطية، بالرغم من أنها كانت فرصة جيدة للقوى السياسية لبناء منظوماتها وتهيئة نفسها للمستقبل، لكنها أُهدِرَت، وظلّت تلك القوى طيلة خمس سنوات هي الطرف الضعيف وقد أُستُتبِعَت استتباعاً لإرادتي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حتى وقع الإنفصال.

هذه هو الواقع الذي انطلقت فيه 30 يناير؛ أحزاب سياسية ضعيفة في وضع سياسي معقّد زاده زلزال الإنفصال تعقيداً. لذلك فأنا اعتقد أن إحتجاجات 30 يناير قد مثّلت  turning point   في السياسية السودانية بعد الإنفصال.

الشباب الذي قاموا بـ 30 يناير تولّوا زمام المبادرة وقرّروا إطلاق الإحتجاجات لأنهم أرادوا ذلك، وهذا طبيعي لأنهم هم الذين ظلّوا يمارسون السياسة الفعلية ويواجهون السلطة يومياً في الشارع، خصوصاً أثناء فترات غياب العمل المعارض بالداخل أيام التجمّع الوطني الديمقراطي وحتى الآن.

- أنت كنت أحد قيادات التحالف العريض الذي استعاد إتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 2002. هل لا زالت الحركة الطلابية هي رأس الرمح في النضال من أجل اسقاط النظام؟
نعم. وبنفس طريقة 30 يناير، تخلق الحركة الطلابية مساحة العمل الخاصة بها بطريقة تختلف عما حدث سابقاً في تجربة التحالف العريض في جامعة الخرطوم 2002 - 2003، يعني مثلاً تخَلّقت أجسام في جامعات السودان و الخرطوم بإسم "الوحدة الطلابية"، وهي نموذج لتحالف يعبّر عن الطلاب كطلاب في وجهة نظرهم من الراهن السياسي أكثر منه كتحالف لمنظومات سياسية كما حدث في تجربتنا، وهو شكل مبدع يتناسب مع المرحلة، وهو أيضاً دلالة على ضعف الأحزاب وعدم قدرتها على ملء الفراغ.
في أكتوبر 64 وأبريل 85 كانت الرافعة البشرية الرئيسية هي الطلاب، وأنا أرى أن الطلاب مازالوا قادرين على المبادرة وقيادة التغيير.

- ظلّت القوى السياسية في الجامعات عموماً ولفترة طويلة - بعد نجاح التحالف العريض في جامعة الخرطوم - تحاول تكرار نفس التجربة رغم تغيّر الواقع. ألا تتفق معي أن فكرة تحالفات الحد الأدنى نفسها قد ساهمت في اضعاف الحركة الطلابية أكثر من تقويتها؟
طبعاً في الفترات الشمولية تتحوّل جميع القوى السياسية الى وحدات مقاومة ويركّز الجميع في هدف واحد هو اسقاط الديكتاتورية، لذلك يبحثوا عن صيغة تحالفية عريضة وفق اتفاق الحد الأدنى. لكن عندما تم توقيع نيفاشا اختلف الوضع، واصبح لكل تنظيم سياسي موقف مختلف بناءً على تصوره الكلّي لحل مشاكل السودان. وبما أنه لم تكن لجميع القوى السياسية خبرة في التعامل مع واقع كالذي فرضته نيفاشا، فقد ظلّوا يحاولون تكرار التجربة القديمة.
لكنني أرى أن الوضع الآن اصبح يشابه ما قبل نيفاشا، المطلب السياسي اصبح واحد، وهو اسقاط النظام، وعندما تكون المواقف واضحة إما مع النظام أو ضده تكون هناك امكانية لإشراك اكبر عدد من الناس في العمل السياسي وهو أمر جيد.

- هناك غموض يلف حركات التغيير الشبابية عموماً، يسمع بها المواطن ولا يعرف ما هي برامجها ولا من هم قياداتها ولا كيف تعمل. تتفق؟
فيما يتعلق بـ "التغيير الآن" ليس هناك غموض، لدينا وجود فعلى في الشارع ونركّز على الفعالية داخل السودان، وقيادات الحركة معروفون من خلال نشاطها السياسي والإعلامي. يمكن أن يكون هناك خلاف حول كفائتنا وفي مدى تأثيرنا على الناس الذين يصلهم خطابنا. لكننا موجودون ولدينا اسلوب مرن في العمل جعل لدينا أعضاء من مختلف الإتجاهات والخلفيات تقريباً، لدرجة انك قد لا تستطيع ان تميز من هو "التغيير الآن" ومن هو غير "التغيير الآن"، وهذا جزء من فلسفتنا، نحن لا نستقطب الناس لـ "التغيير الآن"، بل نستقطبهم "للتغيير" فقط، وأي جهة أو شخص عندها أو عنده طوبة ممكن يساهم بيها نحن بنشيلها ونختها معاهو بدون الحاجة لأن يقول أنه عضو في "التغيير الآن".

- يبدو انك راض عن الدور الذي تقومون به ...
حتى الآن نحن في الإتجاه الصحيح، رغم أننا ما زلنا نسير ببطء قياساً بما نستطيع القيام به، لكننا مؤهلون للعب دور أكبر.

- سقطت الديكتاتوريات من حولنا في فترة قياسية، لماذا لم يسقط النظام عندنا بعد عامين من انطلاق الإحتجاجات؟
انا انظر للأمر بطريقة مختلفة، فلو قارنت – مثلاً - بين 6 ابريل 2008م في مصر كنقطة انطلاق للثورة المصرية، و30 يناير 2011م كنقطة انطلاق عندنا، ستجد اننا نسير بوتيرة اسرع من مصر، بل لم تحدث في مصر احداث بحجم ما حدث في شهري يونيو ويوليو 2012م عندنا سوى 25 يناير نفسها.
أحداث يونيو ويوليو كانت كبيرة في حجمها وانتشارها على مستوى السودان كلّه. والآن المجموعات الشبابية عموماً اصبحت اقوى واكثر ثقة وخبرة بالعمل الميداني، وهناك تراكم فعلي يحدث مع تنويع في اشكال النضال نفسه بين اعتصامات ومظاهرات واضرابات وهكذا. هذا كله يتم بعيداً عن الأحزاب التقليدية، وواضح أن القوى التي تقوم بهذا الفعل هي التي ستصنع التغيير.

- يعني لحظة سقوط النظام اصبحت قريبة؟
بالتأكيد. تسارع الأحداث يقول ذلك. لو تذكر عندما حدثت ضربة هجليج (أبريل 2012) خرج أتباع المؤتمر الوطني في مسيرات تأييد للنظام، وقد ظن الكثيرون وقتها أن هذه الأحداث ستخصم من رصيد قوى التغيير وأنها ستكون بمثابة ضربة للعمل المعارض. ماذا حدث بعدها؟ إندلعت إحتجاجات شهري يونيو ويوليو التي رسّخت المفهوم المعاكس وهو أن النظام ليست لديه مشروعية شعبية.
حركة المقاومة والتغيير تكسب مواقع جديدة كل يوم. تقرير وزير الداخلية نفسه عن انجازات الشرطة في عام 2012 يذكر أن الشرطة تعاملت مع 180 مظاهرة في الخرطوم وحدها. هذا وحده يقف شاهداً على ما تحققه قوى التغيير كل يوم.

- في التجربة المصرية توحّدت جميع القوى السياسية - مع تصاعد الحراك الجماهيري - حول هدف اسقاط النظام، وشكّل ذلك دعامة إضافية للحركات الشبابية. الأحزاب عندنا تقدّم التنازلات منذ الآن، فالحزب الإتحادي يشارك في السلطة، وتحالف الإجماع الوطني ما زال حواره مع النظام مفتوح عن طريق حزب الأمة، وحتى الجبهة الثورية تبحث عن نيفاشا جديدة، وهذه كلها عوامل تطيل من عمر النظام.
نحن أحزابنا دائماً تأتي متأخرة، تميل للدخول في مساومات وتخشى المغامرة. في أبريل مثلاً الأحزاب لحقت الناس في الشارع. ناس نقابة الأطباء في البداية كان غرضهم توحيد الأحزاب السياسية ولمّن فشلوا خلّوها ومشوا عملوا التجمع النقابي الذي ساهم في إشعال فتيل الإنتفاضة.
إنت ماشي بعيد ليه، الإجماع الوطني ده زاتو لم ينجز ميثاق البديل الديمقراطي الا بعد تصاعد الأحداث في يونيو ويوليو الماضيين بعد أن شعروا بأن الأحداث تسارعت وبدأت تتجاوزهم.

- ترى أن توقيع الفجر الجديد يضع الإجماع الوطني في الطريق الصحيح؟
نعم، هو بذلك يسير في الاتجاه الصحيح.

- وجود حزب المؤتمر الشعبي – حزب الترابي - ألا تعتبره مؤشراً على أن تركيبة الإجماع فيها خلل ولا يمكن أن تؤدي لإسقاط نظام هي تحمل نفس جيناته؟
لكن ما ننسى إنو مشروع اسقاط النظام هو بطبيعته مشروع قصير الأجل غرضه إزاحة المؤتمر الوطني من سدة الحكم، وفي قت مثل هذا أنت لا تستطيع ان تستثني أحداً حتى تحقق هدفك. فالحديث عن الثورة هو دائماً حديث عن Bulk وعن مشاركة اكبر عدد ممكن من الأطراف.
بعدين لو عاوزين نقعد نحلّل تحالف الإجماع الوطني حِزب حِزب حنلقى تناقضات كبيرة، المؤتمر الشعبي موقفو هسّه ما أسوأ من غيرو، يعني مثلاً حزب الأمة هو حالياً في حالة حوار معلن مع المؤتمر الوطني. البعثيين زمان كانوا مؤيدين للنظام في فترة وقوفه مع صدّام حسين. هذا غير الحركة الشعبية أيام كان اسمه تحالف جوبا، فقد كانت تتزعم المعارضة وهي الشريك الوحيد للمؤتمر الوطني في السلطة!

- هل قوى التغيير الشبابيه مؤهلة لتتولّ زمام المبادرة عقب سقوط النظام، أم سيحدث ما حدث في أبريل وتأتي الأحزاب لترث الثورة وتعود بالبلاد الى الوراء؟
هو طبعاً لا يمكن ان تكون هناك مرحلة انتقالية بدون احزاب. لكن الفرق سيكون في أن الحركات الشبابية ستواصل عملها ولن تترك الشارع للقوى المعادية للديمقراطية لتفعل فيه ما تريد.
من اسباب فشل ثورة ابريل 85 هو ان الأحزاب ركّزت في السلطة ونسيت العمل الإجتماعي القاعدي. وحتى القوى التي اشعلت الإنتفاضة  دخلت في دائرة الصراع حول السلطة، وتُرِك الشارع للإسلاميين - أعداء الديمقراطية - ليفعلوا به ما يشاءون لدرجة أنه عندما نُفّذ إنقلاب 1989 كان هناك موقف سلبي في الشارع من الديمقراطية نفسها.

- كيف تنظرون لعلاقتكم بالسلطة حال سقوط النظام؟
الدور الذي تتصوره "التغيير الآن" لنفسها لا يقف عند حد اسقاط النظام، بل يستمر بالوجود والعمل في الشارع حتى يتم استكمال مشروع التغيير، وعموماً يجب أن لا تكون هناك علاقة بين حركات التغيير الشبابية والسلطة. "التغيير الآن" مكانها في الشارع، ما في السلطة.

- إنقسام "الفجر الجديد" بين قوى سلمية وقوى مسلّحة ...
طبعاً في النهاية لا بد من مشروع إنتقال مُجمَع عليه بين القوى المدنية والقوى المسلّحة، خصوصاً وأن هذا الإنقسام ليس حول الوسائل وحسب، بل هو أيضاً انقسام إثني ومناطقي مرتبط بطبيعة تكوين الدولة السودانية والقوى الإجتماعية المؤثرة فيها.
على هذا الأساس أنا أعتبر ميثاق الفجر الجديد بين الإجماع الوطني والجبهة الثورية هو خطوة في الإتجاه الصحيح، لأن إتفاق الحد الأدنى بين الطرفين هو ضرورة للإنتقال الآمن إلى ما بعد الشمولية.
ويجب أن لا ننسى أن النظام يستثمر في هذا الجو ويرفع في خطاب الحرب حتى اصبح احتمال الإنهيار التام للدولة نفسها متوقعاً.

- العمل المسلّح جدواه السياسية ضعيفة وكلفته الإنسانية عالية.
نظرياً هذا صحيح، النضال المدني السِلمي كلفته الإنسانية أقل وهو يحقق نتائجاً أعلى على المستويين القريب والبعيد، ويزيد من فرصة الإستقرار عند الإنتقال إلى الديمقراطية. لكننا يجب أن نتفهّم السياق الخاص لحاملي السلاح، إنهم في حالة حرب تدور الآن لذلك لا يمكن مطالبتهم بإلقاء اسلحتهم والإنخراط في العمل السلمي، نحن مطالبون بالتركيز على القضية التي يمثلونها وليس الوسيلة التي يعتمدونها، لأنهم في نهاية المطاف سيضعون أسلحتهم جانباً إمّا بسبب سقوط النظام أو الدخول في حوار معه.

- حصل لغط كبير في الإعلام حول موضوع القضاء والجيش الذي ورد في ميثاق الفجر الجديد. ما رأيك فيه؟
طبعاً من الإشكاليات الكبيرة التي حدثت في ظل نظام الجبهة الإسلامية هي عملية التآكل العميقة التي طالت مؤسسات الدولة لدرجة تجعل من الإصلاحات الجزئية غير ذات فائدة، إلا أنني أعتقد في المقابل أن حل الجيش والقضاء ليس هو المخرج. وبالرغم من أننا نحتاج إلى ثورة وإصلاحات جذرية في كل منهما، إلا أنهما ما زالا يحتفظان بإرث وتقاليد جعلتهما عصيتان على الإنهيار التام. "إعادة هيكلة" هي المصطلح المناسب.

- الجدل حول وصف الدولة - علمانية أم مدنية - داخل معسكر القوى الديمقراطية.
المشكلة في هذا الجدل أنه يسير في إتجاه عدمي، بالإضافة إلى أنه لا يتناول الجوانب النظرية ولا العملية في المفهومين، بل ينحصر في جدل عقيم حول المصطلح، وهو بذلك يصبح نقاشاً غير منتج. وفي الحقيقة النقاش حتى مع الإسلاميين انفسهم حول ثنائية علمانية – دينية، هو غير منتج أيضاً، لأن الإسلاميين ليس لديهم تصور محدد لماهيّة دولتهم الدينية التي يريدونها، الحزب الإسلامي الوحيد الذين لديه تصوّر محدد للدولة هو حزب التحرير في دعوته إلى عودة الخلافة الإسلامية.

- في المحصّلة، ما هو موقف "التغيير الآن" من هذا الجدل؟
رغم أن الدولة كدولة هي في النهاية منتوج علماني، لكننا لم نقل شيئاً في ميثاقنا، لا قلنا علمانية ولا قلنا مدنية، حتى لا ندخل في هذا الجدل، لأننا نريد أن نركّز على الجوانب العملية.

- بالإضافة للمؤتمر الشعبي الذي يطالب بإسقاط النظام بدأت تظهر الآن مجموعات شبابية إسلامية مثل "السائحون" - إرتبطت بمرحلة "التمكين" و"الجهاد" - تطالب الآن بإطلاق الحريات وتتحدث عن فساد النظام ورموزه وضرورة حدوث تغيير، ألا يشكّل النقاش حول العلمانية الآن أهمية على الأقل لفرز الكيمان؟
إنت بتتكلّم عن ياتو كيمان؟ اللهم إلا إذا كنت بتتكلم عن كيمان الغرف المغلقة. نحن عارفين إنو الإسلاميين في النهاية بيكشفهم محك الحكم، لأنهم - كما ذكرت لك - بلا تصور محدد للدولة، لكننا نكتفي برفض إستغلال الدين في السياسة لأننا لا نريد ان ندخل في جدل غير مفيد. نحن في حاجة لمقاومة هذه التيارات الدينية بشجاعة، هذا صحيح، لكن مواجهتهم لا تتم بالدخول في معركة حول المصطلح، بل حول المحتوى.
يعني ناس المؤتمر الشعبي مثلاً، كُل تحفظهم حول ميثاق الفجر الجديد تمحوَر حول نقطة واحدة، وهي أنهم لا يريدون جملة "فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة" لأنهم فقط شمّو فيها ريحة علمانية. تخيّل معاي إنك شلت بند الدين والدولة ده كلّو رميتو البحر، هل سيحدث تغيير جذري في الميثاق؟ الإجابة هي: لا. الشعبيين بجلالة قدرهم خَلّو الكلام عن الإقتصاد، خلو الكلام عن التعليم والصحة، خلّو الكلام عن المحاسبة، وهي مواضيع مهمّة وكُتِبَ فيها كلام كويس، خلّو الكلام ده كلّو ووقفوا في أكتر جملة فضفاضة وغير واضحة حتى بالنسبة للعلمانيين أنفسهم. لذلك أنا أصر على أن النقاش حول المصطلح غير منتج.

- "التغيير الآن" شاركت في إجتماعات كمبالا حول ميثاق الفجر الجديد. لماذا لم توقّع؟
نحن شاركنا فعلاً في النقاشات وساهمنا بالآراء لكننا لم نوقّع لأننا نعتبر أن مجال عملنا يختلف عن عمل الأحزاب السياسية. نحن عملنا يتركّز حول التعبئة في الشارع. التوقيع على أي مواثيق او إتفاقيات هو مهمّة فاعلين سياسيين آخرين.

- ماذا لو تمت دعوتكم لدخول الإجماع الوطني؟
بأي حال لا يمكن أن نكون أعضاء في الإجماع الوطني، لأنو لازم في النهاية يكون في تمايز. حالة التمايز دي ضرورية الآن وضرورية بعدين. يعني مثلاً ما مفروض "التغيير الآن" ولا الحركات الشبابية أن تكون جزءاً من حكومة إنتقالية، ضروري تكون جزء من نشاط سياسي واجتماعي إنتقالي، وهذا أمر يختلف عن المشاركة في حكومة انتقالية.

المؤتمر السوداني وحركة حق والتحالف الوطني السوداني كقوى جديدة أعضائها أساساً هم من الشباب، لماذا فضّلت أن تكون في مؤخرة منظومة الإجماع بدلاً من مقدمة قوي التغيير الشبابية.
(ضاحكاً) هو طبعاً الأحزاب الثلاثة دي أصلاً مفروض تكون حزب واحد. لكن دي واحدة من مشاكلنا في السياسة السودانية، الناس بيعملوا حوائط وهمية بيناتم ويعلّوا الحواجز عشان يكون في مبرر للوجود المنفرد، وهي غالباً حواجز ذاتية وليست موضوعية.

- عن بعض قيادات المعارضة:
- إبراهيم الشيخ (رئيس حزب المؤتمر السوداني)
أنا طبعاً اشتغلت مع إبراهيم الشيخ كتير، وهو من اصدق الناس الذين اشتغلت معهم سياسة، واعتقد أنه ممكن يقوم بدور أكبر من الذي يقوم به الآن، سواءً كان وسط القوى الحديثة أو على مستوى الساحة السياسية السودانية كلّها.

- ماذا عنه كرجل أعمال ناجح رغم أنه من قيادات العمل المعارض؟
والله بالنسبة لأعماله التجارية، وعشان أكون معاك واضح، أنا ليست لدي أسباب موضوعية استطيع أن أعلّل بها نجاحه التجاري رغم إنو معارض للنظام. لكن من خلال تجربتي الشخصية معه استطيع أن أقول أنه ليس موضع شك بالنسبة لي. لا هو موضع شك، لا قروشو موضع شك، ولا موقفو من النظام موضع شك.

- هالة عبد الحليم (رئيسة حركة "حق")
لم أتعامل مع هالة كثيراً، لأنني لم أكن قريباً ومتابعاً لنشاط "حق" في فترة رئاستها، تعاملت معها قليلاً أيام الحوار حول وحدة القوى الجديدة بين المؤتمر السوداني وحق ناس هالة وحق ناس ورّاق وحزب التحالف الوطني السوداني، وقد كان أكثر التواصل المباشر بيننا كحزبين يتم عن طريق المرحوم عمر كانديك. لكن الموضوع الوحيد الأنا تابعتو من قريب وكان مزعجاً بالنسبة لي هو الخلاف بينها والباقر العفيف، لقد كانت طريقتهما – هي والباقر - في إدارة الصراع لا تشبه القوى الجديدة. هذا هو موقفي السلبي الوحيد تجاهها، عدا ذلك ما عندي منها موقف سلبي.

- ماذا عن موقفها المشهور في قيادة مبادرة الصلح بين الصادق المهدي وحسن الترابي، هل تعتقد أن الراحل الخاتم عدلان (القيادي التاريخي لحركة حق) كان من الممكن أن يقوم بدور مشابه؟
والله ياخي عموماً قصّة المقارنة مع الخاتم عدلان دي، أظن إنها صعبة شوية.

- عبد العزيز خالد (رئيس حزب التحالف الوطني السوداني)
عبدالعزيز نحن سمعنا عنه كثيراً قبل أن نلاقيه بعد فترة أسمرا، لكن بمجرد أن تلاقيه تستغرب ما كنت تسمعه عنه سواء من محبيه الذين يسبغون عليه صفات مبالغ فيها أو مناوئيه الذين كانوا يصمونه بالمجرم والديكتاتور، ودي حاجه ما ممكن تشوفها فيهو. أكتر حاجة لفتتني فيهو إنو مستمع جيد ومناقش صبور وهناك قضايا كثيرة لديه فيها رؤية واضحة. هذا ما إستشفيته من معرفتي البسيطة به.

- ميادة سوار الدهب (رئيسة الحزب الديمقراطي الليبرالي)
الحقيقة أنا بعرف الحزب الليبرالي كويس ومتابع نشاطاتو. لكن ما بعرف ميادة. إحتمال لأنها جات في رئاسة الحزب الليبرالي قريب. فقط أعرف أنها كانت ناشطة ضمن فعاليات لجنة الأطباء.

- ماذا ترى في المستقبل، هل سيتحقق التغيير قبل 2015، أم سيبلغ المؤتمر الوطني محطة الإنتخابات القادمة؟
لن تكون هناك فرصة للمؤتمر الوطني ليبقى عامين آخرين في السلطة. ولا شك عندي أن تغييراً سيحدث قبل 2015، فاللحظة قد حانت وقد اصبح التغيير حتمياً، لكنني لن استطيع الجزم بأنها ستكون إنتفاضة شعبية، رغم أنها الأكثر ترجيحاً حسب تقييمي الشخصي. لكن يظل احتمال حدوث إنقلاب عسكري وارداً، واحتمال حدوث نيفاشا جديدة أيضاً وارد، يعتمد ذلك على فعالية القوى الديمقراطية واستيعابها لمدى خطورة المرحلة، وبقدر فعاليتها يتحرك خيار الإنتفاضة قرباً أو بعداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقك أدناه