إبحث

29 نوفمبر 2012

كلمة ستيف جوبز في جامعة ستانفورد


ستيف يخاطب حفل التخرّج، جامعة ستانفورد، يونيو 2005


ستيف جوبز (فبراير 1955م – اكتوبر 2011م) هو المؤسس والرئيس التنفيذي لـ Apple و Pixar Animation Studios.

في كلمته ضمن حفل التخرّج الـ 114 لجامعة ستانفورد، يونيو 2005م، يستدعي ستيف أكثر النقاط محورية في حياته ليحث الخريجين على تتبع أحلامهم والبحث عن الفرص في نكسات الحياة بما فيها الموت نفسه.

- ترجمة عبد العزيز كمبالي 
- أنقر هنا لتقرأ النص الأصلي للكلمة وهنا لتشاهد الفيديو


::::::::::


شكراً لكم، أنا فخور أن اكون معكم اليوم بمناسبة تخرجكم من واحدة من أرقى الجامعات في العالم. الحقيقة تقال، أنه لم يسبق لي أن تخرجت من جامعة، وأن هذا هو أقرب ما كنت يوماً من التخرّج الجامعي.

اليوم اريد أن أحكي لكم ثلاث قصص من حياتي.هذا هو كل ما في الأمر، لا شئ عظيم، فقط ثلاث قصص. 


القصة الأولى عن توصيل النقاط. 

لقد تركت ريد كوليدج بعد أول 6 شهور، لكنني ظللت متواجداً كطالب فيها لحوالى 18 شهراً أخرى قبل أن أستقيل فعلاً.

إذاً لماذا تركت الدراسة ؟

لقد بدأ الأمر قبل أن أولد، فأمي البيولوجية كانت صغيرة في السن وطالبة درسات عليا غير متزوجة عندما قررت أن تطرحني للتبنّي، وقد واتاها شعوراً قوياً أنه يجب أن يتبناني خريجان جامعيّان، وعليه تم ترتيب كل شئ ليتبناني عند الولادة محامٍ وزوجته، إلا انهما قررا لحظة ولادتي أنهما يريدان بنتاً، وبناءً على ذلك تلقى والدي اللذان كانا على القائمة مكالمةً هاتفية عند منتصف الليل تسألهما: "لقد حصلنا على ولد غير متوقع، هل تريدانه؟"، فأجابا: "طبعاً". 

اكتشفت أمّي البيولوجية لاحقاً أن أمّي لم تتخرج من الجامعة وأن أبي لم يكمل المرحلة الثانوية فرفضت توقيع الأوراق النهائية للتبنّي، لكنها رضخت بعد عدة شهور عندما وعدها والداي أنني سأذهب إلى الجامعة.

كانت هذه بداية حياتي، وبعد 17 عاماً إلتحقت بالجامعة، وبكل سذاجة إخترت كلية غالية الثمن مثلها مثل ستانفورد، وجميع مدّخرات والديّ - المنتميان للطبقة العاملة - كانت تُصرف مقابل رسومي الدراسية. وبعد 6 شهور لم استطع ان أرى قيمة في ذلك، فلم يكن لدي أدنى فكرة عما اريد أن أفعله في حياتي أو كيف يمكن للجامعة ن تساعدني في إكتشاف ذلك.

وفي غضون ذلك كنت اصرف كل المال الذي ادّخره والداي طوال حياتهما، فقررت التوقف عن أخذ الدروس والثقة في أن كل شئ سيكون على ما يرام.

كان الأمر مخيفاً في ذلك الوقت، لكن بالنظر إلى الوراء أجد انه كان من افضل القرارات التي اتخذتها، وفي اللحظة التي قررت فيها التوقف اصبح بإمكاني ترك الفصول التي لا أريدها وابدأ في اخذ تلك التي تبدو اكثر جاذبية.

لم يكن الأمر رومانسياً بالكامل. فلم تكن لدي غرفة داخلية ونمت في أرضيات غرف الأصدقاء، وكنت اجمع علب الكوكا واعيدها مقابل 5 سنتات لأشتري بها شيئاً آكله، وامشي مسافة 7 اميال عبر المدينة كل مساء يوم أحد لأحصل على وجبة جيدة اسبوعية في معبد "هير كريشنا Hare Krishna"، وقد أحببتها.

إن غالب ما انخرطت فيه باتباع حَدسي وفضولي تحوّل ليصبح لاحقاً لا يقدر بثمن.

دعوني اعطيكم مثالاً.

ريد كوليدج في ذلك الوقت كانت تقدم – تقريباً – افضل فصول الخط Calligraphy في البلاد. كل بوستر داخل المجمّع الدراسي وكل علامة على كل مَرسم كانت جميلة ومخطوطة يدوياً. ولأني تركت الدراسة فلم أكن مجبراً على اخذ الفصول العادية وقررت اخذ فصول الخط لأتعلم كيف اقوم بذلك. تعلّمت عن الأحرف الطباعية Serif وSans-Serif، وعن ضبط تفاوت المساحات بين تراكيب الحروف المختلفة، وعن ما الذي يجعل الطباعة الرائعة رائعة.
لقد كان الأمر جميلاً وتاريخياً، ومتقن فنياً بطريقة يعجز العلم عن إلإمساك بها. وقد وجدتُ الأمرَ ساحراً.


The First Macintosh 1984

لم يكن لأيٍ من ذلك أدنى أمل في التطبيق العملي في حياتي. لكن بعد 10 سنوات وبينما كنا نقوم بتصميم أول كمبيوتر "ماكنتوش Macintosh"، عاد إليّ كل ذلك وقمنا بتصميمه داخل "ماك Mac". كان ذاك هو أول كمبيوتر يحتوي على خاصية طباعة جميلة، ولو لم أكن قد اخذت ذلك الكورس في الكلية لما كان لـ "ماك" أن يحتوي على أحرف طباعية متعددة أو على خطوط بخاصية تفاوت المساحات.
وبما أن "ويندوز Windows" هو فقط نسخة من "ماك"، فعلى الأرجح أنه ما كان لأي كمبيوتر شخصي PC آخر أن يتضمن هذه الخاصية.

إذا لم أتوقف عن الدراسة لما دخلت فصول الخط تلك ولما كانت الكمبيوترات الشخصية تحتوي خاصية الخطوط الرائعة التي تتضمنها الآن.

 بالطبع لقد كان من المستحيل توصيل النقاط بالنظر الى الأمام بينما انا في الكلية، لكن الأمر كان واضحاً جداً بالنظر 10 اعوام الى الخلف.


مرة أخرى، أنت لا تستطيع توصيل النقاط بالنظر إلى الأمام، يمكنك فقط توصيلها بالنظر إلى الخلف. لذا فعليك أن تثق أن النقاط - بطريقة أو بأخرى - ستتصل في مستقبلك. عليك أن تثق في شئ ما؛ عزيمتك، القدر، الحياة، كارما، أو أيّاً كان، لأن الإيمان بأن النقاط سيتم توصيلها في نهاية الطريق سيعطيك الثقة في إتباع قلبك حتى عندما يبعدك عن مسار الجدارة، وهذا هو ما سيصنع كل الفرق.

قصتي الثانية عن الحب والفقدان.

لقد كنت سعيداً إذ عرفت ما أريد أن أفعله باكراً في الحياة. "ووز Woz" وأنا بدأنا "آبل" في مرآب والديّ عندما كان عمري 20 عاماً، عملنا بجهد، وخلال 10 أعوام نَمَت "آبل" من مجرد شخصيْنا في مرآب إلى أن صارت شركة بقيمة 2 بليون دولار و4000 موظف، وكنّا قبل ذلك بعام قد أطلقنا أفضل إبداعاتنا، "ماكنتوش"، وقد بلغت حينها الثلاثين لتوّي، ثم تم طردي من الشركة.

كيف يمكن أن يتم طردك من شركة بدأتها أنت؟

حسناً، عندما نمت "آبل" وظّفنا شخصاً كنت أعتبره موهوباً جداً ليقود الشركة معي، وطوال السنة الأولى او نحوها سارت الأمور بشكل جيد، لكن رؤيتينا للمستقبل بدأتا في التباعد، وفي نهاية المطاف تشاجرنا، وعندها وقف مجلس الإدارة إلى جانبه، وهكذا عند الثلاثين تم طردي، وقد كانت طردة مشهورة.

ما كان يمثّل مِحوَر كل حياتي الراشدة تبخّر، وقد كان ذلك مدمّراً. وحقيقةً لم اعرف ماذا افعل لعدة شهور، شعرت أنني خذلت ذلك الجيل من رجال الأعمال الواعدين، وأنني رميت الراية بينما كانت تُمرّر لي.

قابلت ديفيد باكارد وبوب نويز وحاولت الإعتذار لهما عن إفشال الأمر بهذه الطريقة، فقد كنت عندها فاشلاً مشهوراً جداً، حتى أنني فكرت في الهروب من الوادي (Silicon Valley)، لكن شيئاً ما فيّ بدأ يضئ من جديد، فأنا ما زلت احب ما قمت به، ولم يغيّر إنقلاب الأحداث في "آبل" تلك الحقيقه ابداً. لقد تم نَبْذي لكنني ما زلت في حالة حُب. فقررت البداية من جديد.

لم استطع أن أرى ذلك حينها، لكن أمر طردي من "آبل" تحوّل الى أفضل شئ كان من الممكن أن يحدث لي، فوطأة الشعور بالنجاح تم استبدالها برشاقة أن تكون مبتدئاً مرة أخرى، أقل وثوقيةً في كل شئ. لقد حرّرني ذلك وجعلني أدخل في واحدة من اكثر المراحل إبداعاً في حياتي، وخلال الخمسة اعوام التالية بدأت شركة اسمها "نيكست NeXT" وشركة أخرى اسمها "بيكسار Pixar" ووقعت في حب المرأة الرائعة التي اصبحت زوجتي.



Toy Story


"بيكسار" تطوّرت وانتجت اول فيلم رسوم متحركة في العالم يعتمد بالكامل على الكمبيوتر Toy Story، وهي الآن ستديو الرسوم المتحركة الأكثر نجاحاً في العالم.

وفي تحوّل لافت للأحداث، اشترت "آبل" "نيكست" وعُدت انا الى "آبل" واصبحت التكنولوجيا التي طوّرناها في "نيكست" هي قلب النهضة الحالية لـ "آبل"، واصبح لدينا أنا ولورين أسرة رائعة مع بعضنا البعض.

أنا متأكد تماماً أنه ما كان لأي من هذا أن يحدث لو أنني لم أُطرَد من "آبل"، لقد كان الدواءُ مُرّاً لكن المريضَ كان في حاجةٍ إليه، ففي بعض الأحيان ستضربك الحياة على رأسك بحجر، فلا تفقد الأمل. إنني مقتنع أن الأمر الوحيد الذي جعلني مستمراً هو أنني احببت ما كنت افعل، فعليك ان تجد ما تُحب، وهذا ينطبق على العمل كما ينطبق على أحبائك ايضاً.

سيملأ العمل جزءاً كبيراً من حياتك، والطريقة الوحيدة التي ستجعلك تشعر بالرضا هي ان تقوم بما تؤمن انه عمل عظيم، والطريقة الوحيدة لتقوم بالأعمال العظيمة هي أن تحب ما تقوم به.

واذا لم تجد ما تحب بعد، استمر في البحث ولا تستسلم، فكما هي الأشياء بالنسبة للأمور التي تتعلق بالقلب، ستعرفها عندما تجدها. ومثل اي علاقة عاطفية قوية، ستصبح كل يوم افضل وافضل مع مرور السنين. لذلك، استمر في البحث ولا تستسلم.

قصتي الثالثة هي عن الموت. 

عندما كنت في الـ 17 من عمري قرأت مقتبساً يقول ما معناه: "إذا عشت كل يوم وكأنه آخر يوم في حياتك، فمن المؤكد أنك ستكون محقاً في يوم من الأيام". لقد ترك ذلك انطباعاً في نفسي، ومنذ ذلك الحين، وطيلة الـ 33 عاماً الماضية، كنت انظر في المرآة كل صباح واسأل نفسي: "اذا كان هذا هو آخر يوم في حياتي هل سأقوم بما أنا على وشك القيام به ؟" وعندما تتكرر الإجابة "لا" كثيراً في عدد متتابع من الأيام اعرف أنني في حاجة لتغيير شئ ما.

إن استذكار أنني سأموت لا محالة كان هو من اهم الأشياء التي دفعتني لإتخاذ الخيارات الكبيرة في الحياة، لأن كل شئ تقريباً؛ المظاهر الخارجية، الكبرياء، والخوف من الإحراج والفشل، كل هذه الأشياء تتساقط في وجه الموت تاركةً فقط ما هو مهم حقاَ.

تذكر أنك ستموت هو افضل طريقة عرفتها لتجنّب الوقوع في فخ التفكير بأن لديك ما ستخسره، فأنت عارٍ أصلاً، ولا يوجد لديك سبب يمنعك من اتباع قلبك.

قبل حوالي العام تم تشخيصي بالسرطان. خضعت للكشف في السابعة والنصف صباحاً، وقد بيّن الفحص بوضوح أن هناك ورم في البنكرياس. لم اكن حتى اعرف ما هو البنكرياس، وقد اخبرني الأطباء أنه غالباً نوع من سرطان البنكرياس غير قابل للشفاء، وأنني لا يجب أن اتوقع العيش لأكثر من 3 الى 6 شهور.

نصحني طبيبي بالذهاب الى البيت وترتيب أموري، وهي طريقة الأطباء في قول: "استعد للموت"، انها تعني أن تحاول إخبار اطفالك خلال بضعة شهور فقط بكل شئ كنت تود أن تخبرهم به خلال الـ 10 اعوام القادمة. إنها تعني ان تتأكد من أن كل شئ تم اعداده بحيث يكون الأمر سهلاً بقدر الإمكان على اسرتك. إنها تعني أن تُلقي بكلمات وداعك.

عشت مع ذلك التشخيص طوال اليوم، ولاحقاً في مساء نفس اليوم خضعت لفحص نسيج الخلايا حيث قاموا بإدخال منظار من خلال حلقي وعبر معدتي إلى داخل إمعائي وغرزوا إبرة في البنكرياس وأخذوا عينة خلايا من الورم، كنت حينها مُخدّراً، لكن زوجتي التي كانت هناك أخبرتني أن الطبيب بدأ في البكاء عندما شاهدوا الخلايا تحت المجهر، فقد تبيّن أنه نوع نادر جداً من سرطان البنكرياس يمكن شفائه بالجراحة.

خَضعتُ للجراحة، وبكل إمتنان، أنا بصحة جيدة الآن.

كان هذا هو أقرب ما كنت في مواجهة الموت، وأتمنى أن يكون الأمر كذلك لبضعة عقود أخرى، ومن خلال تجربتي تلك استطيع ان احدثكم الآن بثقة أكثر من ذي قبل عن فائدة الموت كمفهوم فكري نقي.

لا احد يريد ان يموت، حتى أولئك الذين يريدون الذهاب الى الجنّة لا يريدون الموت ليبلغوا وجهتهم، مع إن الموت هو الوجهة التي نتشاركها جميعاً ولم يسبق لأحد أن هرب منه.

وقد ظل الأمر كما هو على الأرجح لأن الموت هو الإختراع الوحيد والأفضل للحياة، إنه عامل الحياة للتغيير؛ يزيح القديم ليفسح المجال للجديد، "الجديد" الآن هو أنتم، لكن في يومٍ ما ليس ببعيد من الآن وبالتدريج ستصبحون "القديم" وستتم إزاحتكم جانباً. عذراً لهذه الدراما، لكنها الحقيقة.

إن وقتكم محدود فلا تضيّعوه في عيش حياة شخص آخر، لا تقعوا في فخ المُسلمّات (الدوغما) التي تقبع في نتائج تفكير الآخرين، لا تسمحوا لضجيج الآخرين أن يَطغى على صوتكم الداخلي الخاص، ,والأهم من ذلك التحلّي بالشجاعة لتتبعوا حدسكم وقلوبكم، فهي بطريقة ما تعرف حقاً ما الذي تريدونه وكل شئ آخر يصبح ثانوياً.


WEC Last Issue: Front Cover
عندما كنت صغيراً، كانت هناك مطبوعة رائعة اسمها "كاتالوج كل الأرض The Whole Earth Catalog" وقد كانت بمثابة الكتاب المقدس لجيلنا، تم إبداعها بواسطة زميل اسمه ستيوارت براند، ليس بعيداً من هنا في "مينلو بارك"، وجعلها ترى النور بلمسته الشعرية المميزة.
كان هذا في نهاية الستينات، قبل الكمبيوترات الشخصية والنشر المكتبي Desktop Publishing، لذلك فقد صُنعت بالكامل بالآلات الكاتبة والمقصات والكاميرات الضوئية. لقد كانت بمثابة "قوقل Google" في قالب ورقي قبل 35 عاماً من ظهور "قوقل". لقد كان الكاتالوج مثالياً، غامراً بالأناقة والأفكار العظيمة.

ستيوارت وطاقمه اصدروا عدة اعداد من "كاتالوج كل الأرض" وعندما استنفذ غرضه اصدروا عدداً ختامياً، كان ذلك في منتصف السبعينات، وكنت حينها في مثل عمركم.
في الغلاف الخلفي لعددهم الأخير وضعوا صورة لطريقٍ ريفيٍ في الصباح الباكر، من ذلك النوع الذي تجد نفسك منطلقاً معه اذا كنت مغامراً، وبجانب الصورة كان الكلمات الآتية: "كُن جائعاً، كُن غبياً". لقد كانت هذه هي رسالة وداعهم بينما يتوقفون.


WEC Last Cover: Back Cover
وقد تمنيت ذلك لنفسي على الدوام، والآن، وبينما أنتم تتخرجون لتكونوا "الجديد"، أتمناه لكم.  لِتَبْقُوا جَوْعى، ولتظلّوا أغبياء.


شكراً لكم جميعاً، شكراً جزيلاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقك أدناه