إبحث

18 مايو 2007

مواقف وآراء حول وحدة القوى الجديدة

عادل عبد العاطي، مؤتمر الحزب الديمقراطي الليبرالي، الخرطوم، سبتمبر 2010م


من واقع تجربتى فى حركة (حق):
مواقف وآراء حول تجربة وحدة القوى الجديدة
(تعقيباً على عادل عبد العاطي)

أنقر هنا لمتابعة النقاشات حول الورقة فى منتدى سودانيز أون لاين
 ويمكن الإطلاع على رسالة عادل عبد العاطى من هنا


تقديم
فى 17 مارس الفائت كتب السيد عادل عبد العاطى أمين الشؤون الخارجية بالمكتب التنفيذى للحزب الليبرالى السودانى رسالةً مفتوحة بموقع سودانيزأونلاين وجهها إلى أعضاء وجماهير حركتى حق الجديدة وحق الحديثة تتعلق بمسألة وحدة القوى الديمقراطية عموماً - وعلى وجه التخصيص - بالجهود التى بُذلت على مستوى قيادة التنظيمات الثلاثة (الليبرالى، حق الجديدة، حق الحديثة) بغرض تكوين فيدرالية للقوى الجديدة، والتى – على ما يبدو- لم تحقق نتائجها المرجوة. وقد كان واضحاً من سياق الرسالة أن صاحبها ورفاقه فى الحزب الليبرالى قد بلغوا حد اليأس من إمكانية حدوث تقدم على صعيد الوحدة مع حركتى حق (الجديدة والحديثة) - وإن لم يفقدوا الأمل كليةً – مما حدى بكاتبها إلى تجاوز القيادات والإتجاه نحو الأعضاء مباشرةً.

الأخ عادل من المهمومين بمسألة القوى الجديدة والديمقراطية والمؤمنين بضرورة توحدها، ومواقفه المعلنة من خلال كتاباته تبيّن موقفه الداعم – بمستوى أو بآخر– لمشروع حركة حق تحديداً، هذا بالإضافة إلى علاقة الصداقة التى تربطه بعدد من أعضاء الحركتين، الأمر الذى يجعله قريباً من التجربة وهمومها، من هنا تكتسب رسالته الشفافة مشروعيتها وتستوجب الإهتمام بها. 

الرسالة تضعنا نحن أيضاً فى (حق - القيادة الموحدة) فى موضع مسؤولية - أخلاقية على الأقل - أمام التعاطى معها، وبالرغم من أننا غير مشمولين فى وجهتها، إلا أن هناك عدد من النقاط التى تحتاج إلى توضيح بحكم علاقتنا المباشرة بالحوارات التى تمت حول مسألة إعادة توحيد حق، كما أن لمجرد بروز القيادة الموحدة كتيار ثالث من تيارات الحركة علاقة - فى مستوى من المستويات –  بهذه القضية.

عندما خرجت أنا ورفاقى من الجلسة الإجرائية للمؤتمر الثالث لحركة حق الجديدة فى يناير 2006م (الإنقسام الثانى) بعد أن تأكد لنا بأن الحركة بوضعيتها تلك لم تعد هى الإطار الذى يحتوى فعاليتنا، خرجت حينها وأنا أكثرُ إدراكاً بأن تجربة حركة حق تتداعى كإحدى المساهمات فى سبيل مشروع السودان الجديد، هذا إن لم تكن قد إنهارت تماماً فى الواقع، وأنا هنا أتفق مع ما جاء فى رسالة الأخ عادل من إشارة إلى أن توحيد القوى الديمقراطية ليس حِكراً على حركة حق، فالمشروع ليس ملكاً لأحد ونجاحه مرهون – فقط - بجدية الساعين لتحقيقه.

إذاً فالأمر يستوجب البحث فى اسباب الفشل لتجربةٍ أُريد لها أن تكون بديلاً للتجارب القديمة التى قذفت بالبلاد فى رحم المجهول وأعاقت مجهودات النهضة والتقدّم، وهذا يعنى عندى - أول ما يعنى - "الكتابة"، سواءً كان ذلك بغرض ثوثيق التجربة أو بغرض الدراسة والتحليل وإستكشاف آفاق المستقبل، ولا أستطيع أن اذكر سبباً واحداً محدداً جعلني أكتب متأخراً، لكننى أعتقد أن سبباً مثل: "إنعدام الإحساس بالزمن وبطء إيقاع الحياة بالسودان" يمكن أن يكون مفهوماً رغم عموميته خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين يعيشون خارج السودان ومنهم الأخ عادل.

أقول أيضاً: هذه الورقة قد تعبّر فى عدد من أوجهها عن وجهة نظر مجموعتنا - قبل الخروج وبعده - فى صورة القيادة الموحدة، لكنها تحمل بين ثناياها وجهة نظرى الشخصية بالدرجة الأولى والتى أنطلق فيها من تجربتى الشخصية كى أكون أكثر دقّةً ومسؤوليةً، وقد أردت أن أخرج من سياق التعقيب على عبد العاطي فحاولت توسيع دائرة التناول لتشمل تفاصيلاً ليست لها علاقة مباشرة بموضوع الفيدرالية (موضوع الرسالة) وإن كانت ذات صلة بقضية توحيد القوى الديمقراطية فى العموم، وأقصد هنا تفاصيل الواقع "القديم" لحركة حق "الجديدة". 

مَدْخل
من المعلوم من تاريخ حركة حق – بالضرورة - أنها نشأت أساساً نتاجاً لتوحيد عدة تنظيمات سياسية ديمقراطية خارج السودان حيث كان النشاط الأكثر فعاليةً والوجود الأكثر كثافةً لنشطاء العمل الديمقراطي الذين بعثرتهم لوثة النظام الحاكم فى السودان وشراسته آنذاك. وبطبيعة الحال لم تتوحد تلك القوى إعتباطاً أو لمجرد رغبتها فى ذلك، فقد كان لفكرة توحيدها فى تنظيم واحد عريض (حركة حق لاحقاً) دفوعات موضوعية يُعتمد عليها إذا ما أردنا قراءة تاريخ حركة حق تزامنياً مع واقع البلاد فى تلك الفترة.
وقد بُذلت مجهودات كبيرة ومضنية فى سبيل تحقيق تلك الوحدة، وهى مجهودات كانت ناجحة تماماً فيما يتعلّق بتوحيد قوى من أسمّيهم بـ "ديمقراطيى الشتات" متمثلةً فى عملية توحيد بعض التنظيمات المتناثرة على مستوى العالم والتى إتفقت جميعها بمختلف مسمّياتها على الإتحاد وفقاً للوثيقة التاسيسية المُعلنة والنظام الداخلى المتفق عليه تحت مسمّى "حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق)" فى يوليو 1995م.

عليه، يمكن أن أقول، بعد أكثر من 10 أعوام من المسير المتعثّر، أن مسألة توحيد القوى الديمقراطية الجديدة فى أدبيات حق هى أكثر من مجرد مشروع سياسى أُجترح لتجاوز النفق المظلم الذى ترزح تحت وطأته البلاد أو مجرد فكرة فى سبيل الحل ساهمت فى إنتاجها ظروف تفاقم الأزمة الوطنية فى السودان، وأيضاً لا يكفى لفهمها فى رأيى أنها أُقرّت خطّاً سياسياً فى مؤتمرات الحركة المختلفة.

إنها مسألة تراث أيضاً. فهى تمثّل الإرث السياسى الرئيس فى تاريخ الحركة، وهذه نقطة تستحق الوقوف والتأمل عند أى محاولة عميقة لتناول تجربة الحركة بالتقييم والنقد فى المستقبل.


الحاج ورّاق
 البداية .. قُربَان إستقالة
يمكن أن أقول بأن مسألة توحيد حركتى حق (ما قبل خروجنا) لم تكن مطروحة فى أجندة حق الجديدة مطلقاً وخصوصاً فى أجندة قياداتها التاريخية - حتى أكون دقيقاً - ولذلك علاقته المباشرة بموقف الجديدة من الحديثة، وتحديداً من الحاج وراق ومن يُعتقد أنهم أعوانه المخلصين. يتعلق الموقف بتجاوز ورّاق حينما كان الأمين العام للحركة بالداخل لمؤسسات الحركة وإعلانه لحركة موازية بإسم حق الحديثة (الإنقسام الأول) على أنقاض الجديدة فى فبراير 2000م فيما يُعرف فى أدبيات الجديدة بـ "مؤامرة تصفية الحركة". وهو موقف له مسوّغاته الموضوعية فى كثير من جوانبه، خصوصاً تلك التى تتعلّق بالأسلوب الذى أدار به الحاج ورّاق الحركة بالداخل وإتخاذه إجراءات أحادية الجانب وغير مؤسسية؛ على المستوى الفكرى بأطروحته حول "العلمانية ذات المحتوى الإيجابى من الدين"، وقد إنعكس ذلك على الجانب السياسى فى تغييره للخط السياسى للحركة عبر تبنّى التسوية السياسية مع النظام وإعتماده لتحالف وثيق مع حزب الأمة، وعلى المستوى التنظيمى بإقصائه للمخالفين وغير الموالين (قضية الفصل الجماعى تحت دعاوى العمالة لأجهزة الأمن وتنظيمات سياسية أخرى)، هذا بالإضافة لقصة الحوار مع ما سمّاه ورّاق "تيار التوبة داخل الحركة الإسلامية".
ولكنه موقف - بالإضافة لذلك ووفقاً له - مشحونٌ بالكثير من المرارات الشخصية بين عدد من القيادات فى الطرفين، خصوصاً تلك التى شهدت التأسيس ومرحلة البناء الأولى بالداخل.

أما فى جانب حق الحديثة فقيادتها ما كانت تختلف فى هذا الموقف كثيراً عن الجديدة لذات الأسباب، غير أن عدداً من منسوبيها الذين تربطنا بهم علاقات الزمالة على مستوى القطاع الطلابى كانوا لايخفون رغبتهم فى تجاوز الماضى وفتح صفحة جديدة عندما يُطرح الأمر للنقاش على مستويات شخصية.

أول إختراق لهذه الحالة حدث بعد رحيل الأستاذ الخاتم عدلان عندما عقدت القيادة الوطنية لحركة حق الحديثة مؤتمراً إستثنائياً فى أواخر أبريل 2005م  لتحديد موقفها من الحركة الشعبية وفقاً للمتغيرات فى الساحة السياسية (إتفاقية نيفاشا)، وفى المؤتمر الصحفى المعلن بمكتب غازى سليمان المحامِ والمحدد لإعلان المقررات، فاجأ الحاج ورّاق الجميع – حتى أعضاء حركته – بتقديمه لإستقالته من عضوية الحديثة كليةً فى مشهد درامىٍ مُترع بالدموع معلّلاً خطوته تلك برغبته فى أن تتوحد الحركتان بعدما أعاق ذلك - حسب زعمه - وجودهما هو والخاتم عدلان على رأس الحركتين، وبما أن الموت قد غيب غريمه وأحد طرفى الصراع فهو ينتهز الفرصة ليفتح الباب أمام مرحلة جديدة ويعلن إستقالته قُرباناً للوحدة وإهداءً لروح الراحل. كانت هذه هى البداية الحقيقية فى إتجاه إعادة طرح موضوع توحيد الحركة مرة أخرى، إذ أن موقف الحاج ورّاق أيّاً كانت مصداقيته ساهم فى إحداث حراك ما فى هذا الجانب.

تداعيات القُربَان
قوبلت إستقالة ورّاق بكثير من الإستهجان من قبل الجِديدة لأسباب بعضها غير موضوعى يتعلّق بموقف الكثيرين منه كشخص وبالموقع السئ الذى يشغله ورّاق أصلاً فى أدبيات حق الجديدة، والبعض الآخر موضوعى تماماً يتعلّق بالطريقة التى طُرحت بها فكرة الوحدة وما صاحبها من فرقعة إعلامية عكست إنطباعاً بأن حق الجديدة غير أمينة لشعاراتها التى تتعلّق بالوحدة.
والمعروف أن المؤتمرات الصحفية تكون غالباً تتويجاً للجهود السياسية وليس إبتداراً لها، فلا يمكنك أن تبتدر الحوار السياسى مع جهة سياسية ما بأن تعقد مؤتمراً صحفياً تعلن فيه ذلك بمعزل عن الطرف الثاني. فيجب أن يكون للأمر آلياته وقنواته المشتركة التى تحتويه وتبلوره.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لم تكن تنطوى دعوة الحاج ورّاق على أى معنى سياسى برأيى بعدما قد أعلن التنحّى وغادر موقع الفعل، وهذا ما حدا بالكثيرين - خصوصاً بعدما لَزِم قرشى عوض الأمين العام خلفاً لورّاق الصمت إزاء الأمر - إلى تأكيد مزاعمهم بأن الحاج ورّاق قصد بفعلته تلك شغل الأنظار عن أزمة داخلية تجتاح حركته بوضع الجديدة فى الزاوية والإنسحاب فى أبهى حُلّة، وما أبهى حُلّة المسيح!

ورداً على ذلك أصدرت اللجنة التنفيذية المكلّفة لحق الجديدة بياناً فى 11 مايو 2005م علّقت فيه على الخطوة المفاجئة للحاج ورّاق وحاولت فيه تبيين موقفها من مبادرته حول توحيد جناحى حق، وقد كانت الخلاصة: إرتباك واضح فى تحديد الموقف السياسى، فالبيان جاء فى مجمله دفاعاً عن الراحل الخاتم عدلان مما أُعتبر تجنياً عليه ومحاولةً لتشويه سيرته، وبخصوص المبادرة الورّاقية إكتفى البيان بوصفها بأنها: "تدخلاً في شؤونهم السياسية و أن أسلوبها وتوقيتها جاء خالياً من الحساسية السياسية والإنسانية"، لكننا أيضاً يمكن أن نلاحظ مغزى الإستشهاد بفقرة من مقررات مؤتمر القاهرة (ابريل 2000م) تحدد طبيعة الخلاف مع مجموعة ورّاق تقول: "يرى المؤتمر ان الخلافات مع مجموعة الحاج ورّاق قد اصبحت خلافات فكرية و تنظيمية واخلاقية شاملة بما يستحيل معه التعايش في تنظيم واحد".

وبالرغم من أن الرمادية كانت تُميّز التوجه الرسمى للحركة حسب البيان المذكور إلا أن "الإيحاءات القيادية" الرافضة تماماً لأى تقارب مع الحديثة فى الأضابير الداخلية للحركة كانت واضحة بالنسبة لنا فى قطاع الطلاب وقتها، بل إن العديد من القيادات بالداخل والخارج كانت تردد بإستمرار أن الحاج ورّاق يستهدف الحركة وأنه لن يمل ذلك ما دامت قد عادت للوجود مرة أخرى ولم تنطفئ شمعتها كما أراد.

ولمّا كان هناك إخفاق بيّن فى مواجهة الإشكالات الداخلية (على رأسها مسألة المؤتمر الثالث المُطلّة برأسها)، وبطبيعة العاجز، كان اللجوء لصناعة عدو خارجى وتضخيمه يمثّل أسهل الطرق لدفن الرؤوس فى الرمال، فراح كلٌ ينسج سيناريوهاته الخاصّة حول ما يدبّره الرجل لتصفية الحركة من جديد.


الطريق إلى التشرذم: تفجّر الخلافات الداخلية
أنتقِل الآن إلى الأوضاع داخل حق الجديدة التى بدأت فى التوتر إبّان ذلك، وأود أن أذكر هنا أن الخلاف الذى نشب وإستمر فى التصاعد حتى إنتهى بنا بإعلان حق الموحّدة كان يدور بصورة رئيسية بين: لجنة العاصمة ومكتب المرأة ومكتب الطلاب العام من جهة وهيئة قيادة الداخل من الجهة الأخرى. ولمّا كانت الهيئات الثلاث المذكورة هى الهيئات الوحيدة المكتملة التأسيس داخل الحركة بالإضافة إلى أنها تحوى تقريباً جميع أعضاء الحركة، فقد كنّا – وما زلنا – نعتبر أن الخلاف الذى نشب كان فى الواقع بين "الحركة" وقيادتها.

كان للجنة العاصمة ومكتب المرأة جولات من الشد والجذب مع قيادة الداخل، إلا أن حدة التوتر لم ترتفع إلا بعد دخول العنصر الرئيسى والحاسم فى المعادلة وهو مكتب الطلاب، ومن المفارقات أن بداية خلافنا مع هيئة القيادة كمكتب للطلاب كانت ذات علاقة بوجه من أوجه الوحدة، بخصوص مبادرة لبناء تحالف سياسى جديد شرعت فيها القيادة.

أصدرت هيئة القيادة تعميم داخلى رقم (1) بتاريخ 11 مارس 2004م وزّعته على الهيئات تخبرنا فيه بعدد من النقاط المهمّة:

الأولى: أن هيئة القيادة شرعت فى بناء تحالف جديد مع عدد من القوى السياسية  تحت مسمّى "منبر القوى الديمقراطية"، وطولبنا كقيادة للقطاع الطلابى (مكتب الطلاب العام) بفتح قنوات الإتصال مع القوى المشار إليها كحلفاء على مستوى القطاع. 
الثانية: حمل التعميم توجيهاً بضرورة التماسك والحفاظ على وحدة وأمن الحركة إذ أن القيادة رصدت محاولة تخريبية يتزعمها الحاج ورّاق لضرب الحركة مرّة أخرى، وأن هذه المحاولة "لها علاقة بمحاولات أمنية لحرف الحركة عن أهدافها"، وقد ذكر التعميم أن الحاج ورّاق إستغل عضو المكتب السياسى عمر كمال من أجل تحقيق أهدافه، وقد أكّد التعميم أنه: "تمت مواجهة ورّاق وتحذيره وتنصّل عن محاولاته". 
الثالثة: تتعلّق بتأجيل مواعيد قيام المؤتمر العام وبعض الإجراءات التى يتم الترتيب لها بخصوصه.
الرابعة: تشير إلى النزاع الذى نشب بين لجنة العاصمة وهيئة القيادة حول قانونية الأولى.
أبلغ مكتب الطلاب القيادة برفضه للتعميم شكلاً ومضموناً، وقد كان رفضنا يرتكز على الأسانيد الآتية:

من حيث الشكل:
- لقطاع الطلاب ممثليْن إثنين فى الهيئة القيادية كأعضاء أصيلين فيها حسب مقررات "الإجتماع العام للداخل" الذى ترأسه رئيس اللجنة التنفيذية الخاتم عدلان ونتجت عنه هيئة قيادة الداخل ومن حقهما أن يحضرا ويساهما فى جميع أعمال الهيئة القيادية.
- عضوا هيئة القيادة عن قطاع الطلاب، حسام مصطفى وهبة النور، لم يُبلّغا بقيام الإجتماع الذى نوقشت فيه مسألة التحالف مع تلك القوى وهو ليس الإجتماع الأول لهيئة القيادة الذى يُغيّب (بالضم والشد) عنه ممثلا القطاع، خصوصاً وأننا سمعنا بمشروع التحالف هذا لأول مرّة من خلال التعميم المذكور، وبما أن للمكتب ما يجعله مقتنعاً بأنه لم يكن هناك ما يحول دون إخطارهما فإنه يرفض التعميم المشار إليه من حيث الشكل.

من حيث المضمون:
- بخصوص التحالف كان رفضنا يتعلّق برأينا بأن الخطوات السياسية من هذه الدرجة ليست قرارات تتخذها هيئة القيادة لتنفذها "الهيئات الدنيا" (على حدِّ تعبير التعميم)، بل هى قبل ذلك أجندة للنقاش الداخلى العميق بين الهيئات المختلفة وتتاح فيه الفرصة لأكبر عدد ممكن من الأعضاء للمشاركة، وهذا أفيد للتحالف فى حالة إعتماده وأقرب لروح العمل الديمقراطى الجديد من الأسلوب الذى إنتهجته القيادة بفرضها للأمر كتوجيهات ملزمة من خلال تعميم داخلى، كما لا يمكننا أن نوافق على فتح حوارات على المستوى القاعدى على أساس مبادرة تحالف طرحتها قيادتنا فى حين لا نعلم عنها نحن شيئاً، لم نشارك فى حوارٍ دار حولها أو حتى إستمعنا لتوضيحات بخصوصها.

- طالبنا القيادة بتمليكنا الحقائق كاملةً حول المحاولة التخريبية ومحاولات الإختراق الأمنى المذكورة قبل مطالبتنا بالتماسك على أساس الإحتراز من عدو هلامى غير محددة معالمه بدقة الأمر الذى يذكرنا بالممارسات البوليسية التى تميّز التنظيمات الشمولية.

- دَعوْنا القيادة لإجتماع عاجل يحضره ممثلينا للنقاش حول النقاط أعلاه لتجاوز الإشكال ومن ثمّ السير قدماً.

بالتزامن مع مذكرتنا هذه كانت لجنة العاصمة أيضاً قد أبلغت القيادة رأيها فى ما حمله التعميم من تفاصيل خصوصاً تلك التى تخصها، وقد كان رأيها فى العموم شبه مطابق للمذكرة التى رفعها مكتب الطلاب مما حدى بالقيادة إعتبار ذلك مؤشراً على أن "تكتلاً تخريبياً" ضدها يتم الترتيب له وجعلها تتعامل لاحقاً على هذا الأساس الواهى الذى يوضّح وجهاً آخراً من أوجه المُشكِل الذى تعانى منه القوى الجديدة: وهو ُمشكِل العقلية The Problem of Mentality، فلا أكاد أصدق - برغم التجربة - أن قيادتنا كانت تتعامل مع الإختلاف فى الرأى كبادرة للتكتل الذى يستوجب "الحسم والتصفية"، وهذا أمر – بطبيعة حاله - يحتاج لقائمة من الإتهامات بالعمالة للأمن والإشتراك فى المحاولات التخريبية.

لكن يبقى الواقع هو أن تلك الردود البسيطة والموضوعية من قِبلنا ورفاقنا فى لجنة العاصمة كانت – للأسف - هى مستصغر الشرر الذى نشبت منه نار الصراع والذى إنتهى بأن تعرّضت حركة حق للإنقسام الثانى فى تاريخها بخروج مجموعتنا تحت مسمّى حق القيادة الموحّدة، وقد ساهم فى تفجّر الأوضاع أكثر أن قيادة الداخل فشلت فى تنفيذ مهمتها الأساسية بالإعداد لقيام المؤتمر العام فى وقته المحدد سلفاً فى يونيو 2004م. وهكذا، فما بين التعميم رقم (1) في مارس 2004م، والمذكرة المشتركة التي رفعتها المكاتب الثلاثة (الطلاب، العاصمة، المرأة) إلى هيئة القيادة في يونيو 2005م، وحتى بيان الإنقسام الذى صدر بتاريخ 5 يناير 2006م مذيّلاً بـإسم "(حق) – القيادة الموحدة" مرّت مياه أخرى كثيرة تحت جسر العلاقة بيننا ورفاق الأمس لن يسع المقام للخوض فى تفاصيلها أكثر.

القيادة الموحّدة .. اللاعب الجديد
ربما لم يكن منطقياً للمتابعين أن نؤكد فى بيان الخروج أننا ما زلنا على طريق توحيد القوى الديمقراطية فى الوقت الذى لم نستطع فيه الحفاظ على وحدة حركتنا إبتداءاً !!

نعم، ليس في الأمر منطق ألبتة، إلا أن وقائع وحيثيات الصراع داخل الحركة وضعتنا أمام هذا الخيار فلم يكن هناك بدٌ مما ليس منه بد. ويمكن الإشارة فى سبيل ذلك إلى الفرق الواضح فى التعاطى مع الأزمة بين طرفى الصراع، فقد كنّا حريصين من طرفنا على الحوار وتذليل العقبات من خلال العديد من المساهمات المكتوبة قبل وأثناء الخلاف، سواءً كانت مساهمات من المكاتب أو من بعض الأعضاء الأفراد، على عكس هيئة القيادة التى كانت وسيلتها الوحيدة فى الحوار هى المذكرات الداخلية التى تحمل – فقط – أنباء الإجراءات العقابية (الفصل والإيقاف) على الأفراد والهيئات، والجدير بالذكر أن كتاباتنا تلك لم تكن نشاطاً سريّاً من وراء ظهر القيادة، بل على العكس من ذلك كانت جميعها تحمل آرائنا وإعتراضاتنا ومقترحاتنا للحلول وكانت توجه مباشرةً إلى هيئة القيادة ذاتها وسلّمت بعضها باليد للمسؤول التنظيمى فيها وأرسلت منها نسخاً بالبريد الإلكترونى لأعضاء اللجنة التنفيذية  بالخارج لتضعهم في الصورة.

أكثر من ذلك، بلغت بنا الشفافية في مكتب الطلاب أننا كنّا نوزّع على أعضاء القطاع بيانات الإيقاف والفصل التى ترد بحقنا مرفقةً بردودنا عليها، وربما كانت إحدى نقاط ضعفنا الأساسية هى تلك الأخلاقية المفرطة فى صراع سياسى تحكمه قوانين المصلحة وتوازن القوى.

لم نمكث طويلاً بعد الخروج حتى شرعنا فى حوارات التوحيد مع عدد من القوى أبرزها الحركة السودانية الديمقراطية وحركة حق الحديثة، وقد ساهم فى إنخراطنا السريع فى حوار مع حق الحديثة الرؤية المتوافق عليها داخل مجموعتنا قبل الخروج حول التعامل مع الحديثة بإعتبارها – وبحكم الواقع – تنظيماً سياسياً قائماً بذاته المنفصلة عن الجديدة ولم يعد هو تلك المجموعة من المنشقين عن الحركة "الأم"، فقد تجاوزت الوقائع تلك المرحلة، لا سيّما وأن هناك جيلاً جديداً بالكامل إلتحق بالحركتين ولا يعقل أن يتحمّل أعباء مرحلة تاريخية لم يكن جزءاً منها فى ظل واقع سياسى متغير ومتجاوز لنفسه بإستمرار، هذا فى حين كانت القيادة (بالداخل والخارج) تصر دوماً على إجترار الماضى وإقحامه قسراً فى الأوضاع الماثلة.

بدأت حق الحديثة حوارها معنا رسمياً (بعد أن مهّد لذلك عدد من اللقاءات الفردية والثنائية بين الطرفين) بمبادرتها المكتوبة "60 يوم لتوحيد حق" في فبراير 2006م، وهي أساساً مبادرة من أجل توحيد جميع حركات حق. كانت نقاط المبادرة بسيطة ومباشرة تتلخص أهم مقترحاتها فى:

- أن يتبنى مركز دراسات السلم بجامعة الخرطوم المبادرة.
- تكوين لجنة مشتركة بين الطرفين تقوم بالترتيب للوحدة.
- أن تتم الوحدة خلال 60 يوم.

تجاوبنا مع مقترح الحديثة بذات الحماس الذى أبدته ووافقنا على جميع نقاطه فى العموم وحددنا ممثلينا فى اللجنة المشتركة، غير أننا أوضحنا للزملاء فى الحديثة عدم ضرورة وضع سقف زمنى للوحدة وأقترحنا أن تكون اللجنة لجنة للحوار وليس للوحدة، فنحن ولخوفنا من تكرار الماضى كنا نريد  لخطوات التوحد أن تسير بتؤدة ودون أية إفتراضات مسبقة حول حتمية التوحد وركّزنا على شعار "الوحدة من خلال خطط العمل" الذى كنّا نعنى به  البداية بالمقلوب، أو – بمعنى آخر - أردنا به التركيز قبل إجراءات الوحدة، على ما بعدها، ماذا نريد أن نحقق بعملية توحيد التنظيمين؟ وتكون البداية به.

فكرتنا أنه بالتنفيذ المشترك لعدد من الخطط والبرامج التى كان يعيقها التبعثر والشتات، وبالعمل المشترك تزول الكثير من الحواجز ويتم بناء الثقة وتتسع دائرة قبول الآخر، بعد ذلك تصبح إجراءات توحيد اللوائح الداخلية والهياكل التنظيمية ما هى إلا تعبير عن واقع ملموس ومعاش على الارض لا أكثر.


قرشي عوض
إلا أننا - وللأسف – فوجئنا فى الوقت الذى نريد فيه تسليم رؤيتنا هذه مكتوبةً للأخوان فى الحديثة بأن العلاقة الرسمية بيننا قد إنقطعت دون أن نعلم - وغالباً - دون أن تعلم الحديثة نفسها، إثر إنتقال سليمان عثمان حامد عضو الحديثة الذى تتم مخاطبتنا عبره وعضو اللجنة المشتركة للحوار إلى الحركة الشعبية! هذا بالإضافة إلى بعض المواقف الغريبة التى هدمت جسور الثقة الآخذة فى التمدد، يمكن أن نذكر منها:
- مناقشة قرشى عوض (الأمين العام للحديثة) لأحد أعضائنا الذي قابله بالصدفة حول إمكانية أن نكون جزءاً من حركته وكيف أن ذلك سيكون أفيد للطرفين. 
- أرسل قرشى عوض أحد أعضاء الحركة السابقين هو عمر كمال رنقو برسالة تحمل نفس الفحوى بإمكانية توحدنا تحت مظلّة الحديثة.
- إشارته لأحد أعضائنا محمد احمد غلامابي مرةً فى جلسة حوار بينهما بأن إنقسامنا الأخير سيحول دون توحيد تيارات حق الثلاثة بحجة أن حق الجديدة برئاسة هالة عبد الحليم لن تقبل التعامل معنا مما يجعل صيغة ذوباننا فى الحديثة والمشاركة فى الحوار من داخلها "تضحية قيمة" فى سبيل الهدف الأسمى وهو وحدة جميع حركات حق.

ويبدو أنه لم يلحظ أننا كنا نتابع تحركاته السياسية ونعرف بأى قدرٍ هو بعيدٌ عن الإتحاد مع الجديدة مادام محمد سليمان والباقر العفيف باقيان فى قيادتها، فضلاً عن توحيد "جميع" حركات حق.
- كرر عرضه مرة أخرى إبان التنسيق بين عدد من القوى السياسية لمناهضة زيادة الأسعار فى السكّر والمحروقات اغسطس 2006م، بأن تكون مشاركتنا فى إجتماعات اللجنة السياسية المشتركة للأحزاب تحت مظلّة الحديثة حتى نتجاوز الإعتراض المتوقع –  والأكيد فى رأيه -  من مجموعة حق الجديدة.
- كان آخر المواقف المستغربة تلك اننا علمنا بتفاصيل الحوار حول فدرالية القوى الجديدة لأول مرة من خلال مقاله – أى قرشى - فى جريدة "الصحافة"، فيما كنّا نعتبر نحن أن الحوار الذى يدور بيننا يتّسم بمستوى كافٍ من الشفافية يدفعه لإطلاعنا على ملامح حواره مع الليبرالى والجديدة، فهو يصب فى نفس الإتجاه، ولا  ينطوى على بنود سرّية حسب رسالة الأخ عادل.

وهكذا، إتضح لنا بالتجربة أن فرص الوحدة مع الحديثة ضئيلة جداً – على الأقل - فى ظل قيادتها الحالية، فهى غير حريصة على المشروع فيما يبدو، كما أن النهج الذى يتبعه قرشى عوض فى إدارة الحوار غير مفيد ومنفّر يعتمد خلط الأوراق واللعب على أكثر من حبل، وبخصوص ما ذكره عادل عبد العاطى فى رسالته حول تأكيدات قرشى بأن "القيادة الموحّدة ستلتحق بالفدرالية من خلال حق الحديثة وفقاً لحوار يسير بينهما فى هذا الإتجاه" فهو موقف غير مستغرب منه فالرجل على ما يبدو مهموم بمسألة "الكيمان" وذو نزعة "تكويشية"، وأنا بدورى لا أريد أن أزيد على أن أنفى واقعة الشروع فى حوار بين الموحّدة والحديثة فى "هذا الإتجاه".

المسير فى إتجاه معاكس .. 10 أعوام تكفى
تلزمنى هنا الإشارة إلى أن نتائج الواقع أدعى للإعتبار بها، وهى برأيى تكفى لإعادة التفكير نقدياً فى المشروع الذى تبنته حركة حق (فى عموميتها)، كما أن تجربتها التى دامت أكثر من 10 أعوام (ما بين النشوء والتشرذم) تحتاج لمراجعة شاملة، حتى نتأكد - على الأقل - من أن اللغة القوية والأدب الفريد الذى جاءت به حق لم يشكّلا حجاباً دوننا وشروط الواقع. وأريد أن أتسآءل فى هذا السياق: ألم تناطح حركة حق – فعلاً - طواحين الهواء؟ ألم تبدُ فى مواجهة الواقع السياسى المعقّد كما يبدو دون كيشوت بسيفه الخشبى؟ أليس صحيحاً ما قاله الحاج ورّاق بحقها عندما قال: "حركة حق راس كبير بى كِرعين سُغار"؟

أحياناً يبدو لى أننا حملنا على عاتقنا عبئاً أيدولوجياً من نوع راقٍ وبشّرنا بنوع جديد من اليوتوبيا إسمها "وحدة القوى الديمقراطية الجديدة" وفي هذا فقد كنّا نمثّل وجهاً لطيفاً من أوجه السودان القديم لا أكثر.

إن جميع مشروعات الحوار والعمل فى سبيل مسألة وحدة القوى الديمقراطية عموماً  ترتبط إرتباطاً بنيوياً بمستوى الإدارة والعمل داخل القوى المعنية، وبحسب قوة جذبها الديمقراطي تتحدد فعاليتها فى الواقع وتنفضح جديتها تجاه برامجها ويتبيّن مدى إنسجامها مع أهدافها، وهذا بالتحديد ما كانت تفتقر إليه حركتنا.

وإذا سُئلت الآن عن رؤيتى لمستقبل القوى الديمقراطية الجذرية بالسودان، فإننى لا أرى ضوءاً فى آخر نفقها المظلم وفقاً لوضعها الحالى، فما زالت القوى الإجتماعية المؤثرة والفاعلة فى الواقع هى القوى ذات المصلحة المباشرة فى هزيمة أى إمكانية لترسيخ دعائم المشروع الديمقراطى الجذري (العلماني)، يضاف إلى ذلك القطيعة الغير مبررة بين القوى الديمقراطية العلمانية والسوق، وبرأيى إن السوق وقطاعات الأعمال عموماً يجب أن تدخل كإحدى جبهات الصراع فى مواجهة قوى السودان القديم التى تسيطر عليه ومن خلاله على قطاعات إجتماعية واسعة، كما أن التوسّع في الأعمال خطوة مُهمّة فى سبيل حَلْ "عقدة" التمويل الذى تعانى منها قوى الديمقراطية والإستنارة، هذا إذا لم نقل – بصورة أدق - خطوة مهمة فى سبيل الوصول للسلطة.

الآن، وبعد أكثر من 10 أعوام من الدوران فى الحلقة المفرغة (بناء، تصدّع، إنهيار، إعادة بناء) يتضّح أن حركة حق سارت عكس الإتجاه الذى أرادته لنفسها عند التأسيس؛

- أعلنت حق أنها متجهة نحو القطاعات الجماهيرية العريضة وحمّلت النُخب المسؤولية عن عثرات البلاد فإنتهى بها الأمر أكثر تقوقعاً وعزلةً حتى عن نفسها فضلاً عن "الجماهير العريضة"؛ 
- رفعت حق شعار "قوة الجذب الديمقراطي" فى مواجهة ما إعتبرته مصادرة للحرية فى التنظيمات السياسية الأخرى لينتهى بها الحال إلى بحر من الخلافات والصراعات تحت دعاوى الطغيان القيادى وغياب الديمقراطية؛
- إختطت حق لنفسها طريق وحدة القوى الديمقراطية الجديدة لإنجاز التغيير فكان الحصاد المُر بأن تحولت هى نفسها من "حق" إلى "حُقوق".

خاتمة
أراد عادل عبد العاطى أن ينوّر أعضاء وجماهير الحركتين - الحديثة والجديدة - بحقيقة المواقف التى تتخذها قيادتيهما بشأن المشروع الرئيس الذى قامت به ومن أجله الحركة، وأردتُ بدورى أن أقول أن الواقع الماثل لجميع حركات حق (بما فيها القيادة الموحّدة) لا يؤهلها لمقام الحادى فى المرحلة المقبلة،  ففاقد الشئ لا يعطيه، بالضرورة.

يحتاج مشروع النهضة الوطنية الشاملة وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة بالسودان لنقلة نوعية فى طرائق التفكير وأدوات العمل، وهذا بدوره يحتاج إلى الإعتبار بالتجربة، وهنا تكمن أهمية الكتابة والمساهمة فى نقد تجربة القوى الجديدة من قِبَل الذين خاضوها، لا سيما وقد "سقطت جميع الأقنعة".



----------------------------
إنتهت فى 19 مايو 2007م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقك أدناه