إبحث

18 يناير 2013

شيمون بيريز عن: أوباما، إيران، والطريق الى السلام

شيمون بيريز - رئيس إسرائيل ذو الـ 89 عاماً
Photo by: Michal Chelbin for The New York Times

- حاوره لصالح نيويورك تايمز:
  رونين بيرغمان، 9 يناير 2013.
- ترجمة: عبد العزيز كَمْبالي
- أنقر هنا لتقرأ النص الأصلي من موقع الصحيفة

::::::::::
شيمون بيريز يفضّل أن يُوَحّد جميع اسرائيل على أن يُوَحّد يسار الوسط فقط، ويوجّه نقداً لاذعاً لتحالف اليمين الحاكم بقيادة نيتنياهو.
لا يدعم ضربة عسكرية ضد إيران ولا يوافق على استمرار الإستيطان، وهو يعترف ضمنياً بإغتيال إسرائيل لياسر عرفات.
يتحدث عن علاقته بزوجته ويقول أنه متفائل بتحقيق السلام خلال عشرة أعوام.
::::::::::

"هذا الجزء من الحوار حسّاس جدّاً" - قالت الناطقة الرسمية للرئيس الإسرائيلي، "أريد كل الهواتف المحمولة خارج الغرفة".
كان ذلك في 25 يوليو 2012، وقد كنت أجرى مقابلةً مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في جناح مغلّف بالكامل بالألواح الخشبية، في فندق الملك داؤود في القدس. سلّمت هاتفي إلى أحد الحرّاس الذين يقفون عند الباب، وسريعاً ما فتح بيريز مونولوجاً من النقد اللاذع إلى إحتمالية توجيه ضربات اسرائيلية للمواقع الإيرانية. "اسرائيل لا يمكنها أن تحل المشكلة وحدها" - قال، "هناك حدود لما نستطيع أن نفعله".

بالإشارة للتوتر المستمر بين رئيس الوزراء بينيامين نيتنياهو والرئيس باراك أوباما، قال بيريز:
"أنا لا أستطيع أن اخبرك ما هي اعتبارات بيبي في موضوع إيران، أنا لست الناطق الرسمي بإسمه، ولا ناطقاً بإسم وزير الدفاع إيهود باراك. هذه ليست وظيفتي. أنا لا أبحث عن مواجهات معهما.
أعتقد أنني يمكن أن اشرح النمط الأمريكي، أمريكا تعرف كيف توجّه لكمتها عندما يتطلب الأمر ذلك للحفاظ على التوازن العالمي، لكن اللّكمات تأتي بعد حزمة من الإجراءات. إنهم لا يبدأون بإطلاق النار، بل يجرّبوا الوسائل الأخرى في البداية؛ العقوبات الإقتصادية، الضغط السياسي، المفاوضات، يجرّبوا كل شئ ممكن". 
"لكن في النهاية" يضيف بيريز، "إذا لم ينجح أي من ذلك، فإن الرئيس باراك اوباما سيستخدم القوة العسكرية ضد إيران، أنا متأكّد من ذلك".

لقد تفاجأت بحدّة بيريز، لقد عُرف عنه لفترة طويلة أنه قوة ضغط معتدلة على نيتنياهو ووسيطاً بينه والمجتمع الدولي الذي بدأ يفقد الصبر معه.
بيريز يتقلّد ميدالية الحرّية
قبل شهر، قلّد الرئيس اوباما شيمون بيريز ميدالية الحرية الرئاسية، أعلى وسام شرف مدني في أمريكا. لكن الإحتفال ساهم فقط في تعميق الشقة بين بيريز ونيتنياهو، وبعد ثلاثة اسابيع، ومع تواتر التقارير التي تشير أن نيتنياهو يخطّط لإرسال قاذفات لضرب إيران، إنتهز بيريز فرصة الإحتفال بعيد ميلاده الـ 89 ليتحدّث علناً عن موقفه ضد أي هجوم على إيران.

رد مكتب رئيس الوزراء بضراوة معلناً أن: "بيريز نسي ما هي وظيفة الرئيس" ومذكّراً أنه في عام 1981 عارض بيريز قرار رئيس الوزراء مناحيم بيغين بضرب المفاعل النووي العراقي. وهو أمرٌ يعتبره الكثير من الإسرائيليين إنجازاً عظيماً.

هناك من يرى في المواجهة بين بيريز ونيتنياهو واحدة من الأسباب الرئيسية التي جعلت الهجوم على إيران لم يتحقق بعد. "أنا لا أعزي ذلك إلى نفسي" - قال بيريز، "دع الآخرين يقولون ذلك. أنا عبّرت عن رأيي، وقد كان ذلك واجبي".

"إلى أي مدىً كان ذلك نافذاً ؟" - أضاف مُقْتَبِساً عن سفر الأمثال: "لِيَمْدَحْكَ الغَرِيبُ لاَ فَمُكَ، الأَجْنَبِيُّ لاَ شَفَتَاكَ" 27:2.

خلاف بيريز مع نيتنياهو هو واحد فقط من الخلافات العديدة بين الرجلين، فمن ناحية نيتنياهو رئيس وزراء محافظ يعتمد على تحالف صقوري متشدّد، وهو من المرجّح أن يكتسح الإنتخابات الإسرائلية الأسبوع المقبل.
ومن الناحية الأخرى فإن بيريز هو رجل الدولة الإسرائيلية العجوز الذي يحظى بدرجة من الشعبية في أواخر أيامه استعصت عليه خلال الفترة الأولى من حياته المهنية، ففي استطلاع قام به المعهد الإسرائيلي للديمقراطية IDI، فإن 84% من اليهود قالوا إن بيريز جدير بالثقة بينما يعتقد 62% أن نيتنياهو رجل موثوق.

إنه من دواعي السرور أن أقضي زمناً مع هذا الرجل الذي أخذه ديفيد بن غوريون تحت جناحه، والذي اصبح مسؤولاً كبيراً في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية وهو في عمر الـ 24.

لي كوان يو
بيريز رجل عالمي ملئ بالرؤى والفضول الذي لم يتراجع مع مر السنين، وبالرغم من أنه على وشك أن يبلغ التسعينيات من عمره، إلا أنه يستحضر بالتفاصيل الدقيقة لقاءاته مع الشخصيات المركزية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ مباراة النكات السوفيتية التي بدأها الرئيس رونالد ريغان، جلسات الشراب الماراثونية مع وزير الدفاع الألماني فرانز جوزيف ستراوش، وما الذي تعلّمه من مؤسس سنغافورة الحديثة، لي كوان يو.

لكنه بن غوريون، والسنوات العديدة التي قضاها بقربه، هي التي يعود إليها بيريز مراراً وتكراراً. بالرغم من أنه يقول: "أنا لا أجد أي تشويق في التاريخ، إنه يُشعرني بالملل". لكنّه يكرّس جهداً كبيراً ليوضّح كيف أن بصمته الشخصية كانت مميّزة على التاريخ الحديث، قد يكون هذا بسبب أن بيريز - بغض النظر عن إسهامه الهائل في تقوية جيش الدفاع الإسرائيلي IDF - لم يخدم أبداً في الجيش، أكثر من ذلك، فهو ليس مولوداً اسرائيلياً أصلياً "Sabra"، بل جاء هو واسرته إلى اسرائيل في عمر 11 سنة.

يشغل بيريز منصب الرئيس الإسرائيلي منذ يوليو 2007م، وهو من المؤمنين بشدّة بقوة الشبكات الإجتماعية. ليس هناك حركة يقوم بها، سواءً رصد أو ملاحظة، لا يتم نشرها مباشرةً على فيسبوك وتويتر وإنستاغرام، عن طريق طاقمه (الذي هو، بإستثناء مساعده العسكري وممثل وزارة الخارجية، كلّه من النساء). كان هناك وقت أشار فيه بيريز مراراً إلى تصوّره لـ "شرق أوسط جديد". اليوم فإن شرقاً أوسطياً جديداً قد بدأ يتشكّل بالفعل، لكنه غير ذلك الذي تنبأ به.

على مدى خمسة شهور ماضية، جلسنا نصف دستة من المرات للحديث عن الوضع الراهن للعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية؛ عن علاقته بنيتنياهو ورأيه فيه؛ وماذا يرى هو الآن لمستقبل الشرق الأوسط واسرائيل ودوره في ذلك.

الإجابات التالية تم تلخيصها من تلك المحادثات.

::::::::::

"الناس عادة يميلون لتصديق الكلام السلبي أكثر من الإيجابي" - قال لي في ديسمبر. "عندما تقول – مثلما افعل – أنك شخص متفائل بالفعل، يُنظر إليك وكأنك شخص مضطرب. ولكنك عندما تنظر الى التاريخ ستجد أنه عبارة عن فشل مستمر للتشاؤم، وليس للتفاؤل. لقد أتيح لي أن أعيش لسنوات عديدة، وخلالها رأيت الإيمان ينتصر على السخرية والشك، هكذا افكر".

وهنا عبّر عن نقد شديد لنيتنياهو بدون ذكر اسمه صراحةً: "ولذلك فإذا سمع شعب إسرائيل من قيادته أن هناك فرصة للسلام فسيخعلوا قفّازاتهم ويصدقوا ذلك".

بينيامين نيتنياهو
أنت لا تعتقد، إذن، أنه في الوقت الراهن لا يجب القيام بأي شئ كما يقترح نيتنياهو؟
هو من الممكن ألا يفعل أي شئ، لكن هذا لايعني أن الأشياء لن تحدث، هذه الفكرة عن التاريخ وكأنه حصان يمكن الإمساك به من ذيله، هي فكرة غبية. ففي النهاية النار يمكن أن تشتعل في أي لحظة: كلمة أخرى، طلقة أخرى، وفي النهاية سيفقد الجميع السيطرة. إذا لم يكن هناك قرار دبلوماسي فإن الفلسطينيين سيعودون للإرهاب، سكاكين وألغام وهجمات إنتحارية.
الهدوء الذي تنعم به إسرائيل على مدى السنوات القليلة الماضية لن يستمر، لأنه حتى ولو كان السكّان المحليين لا يريدون إستئناف العنف فسيكونون تحت ضغط العالم العربي. الأموال سيتم تحويلها لهم، والأسلحة سيتم تهريبها لهم، ولن يكون هناك أحد بمقدوره إيقاف هذا الفيضان.
أغلب العالم سيدعم الفلسطينيين وسيبرّر أفعالهم، وسيوجِّه إلينا أعنف الإنتقادات، وخطأً سيصنفوننا دولة عنصرية. وسيعاني إقتصادنا حتى الموت إذا أعلنت المقاطعة ضدنا. يهود العالم يريدون إسرائيل يفخرون بها، وليست إسرائيل التي لا حدود لها وتلك التي تُعتبر دولة إحتلال.

ما هو تأثير العلاقة السيئة بين أوباما ونيتنياهو على المستقبل القريب لإسرائيل والشرق الأوسط؟
المشكلة ليست بين الأفراد، لكنها بين سياسات هؤلاء الأفراد. ليس الأمر إذا ما كانا سيتناولان قهوة مع بعضهما البعض أم لا. لا أحد منها سيركل الآخر.

بالرغم من أنهما غالباً يرغبان في ذلك.
لن يشكل ذلك فرقاً. المشكلة هي أن اوباما يرغب في التوصل الى السلام في الشرق الأوسط ويجب أن يتم إقناعه بأن إسرائيل تتفق مع هذا.

وهو غير مقتنع ؟
طبعاً، هو غير مقتنع. لقد طلب إنهاء المستوطنات ووجد إستجابة سلبية، وهم (أعضاء الحكومة بقيادة الليكود) مُلامين على إستمرار الأنشطة الإستيطانية. الرئيس اوباما يعتقد أن السلام يجب أن يتم مع العالم الإسلامي. ونحن، كدولة إسرائيل، لا يبدو أننا نفكر بهذه الطريقة. نحن يجب ألا نفقد دعم الولايات المتحدة. إن الذي يعطينا القدرة على المساومة في الساحة الدولية هو دعم الولايات المتحدة. حتى ولو كان الأمريكان ليسوا طرفاً في المفاوضات، لكنهم حاضرين فيها. إذا كانت إسرائيل ستقف وحدها، فإن أعدائها سيبتلعونها بالكامل. بدون الولايات المتحدة سيكون الأمر صعباً جداً علينا، سنكون مثل شجرة وحيدة في الصحراء.

محمود عبّاس
ماذا حدث خلال الفترة الطويلة التي حاولت فيها التوسّط بين نيتنياهو ومحمود عباس ؟
أنا وأبو مازن أجرينا محادثات طويلة، بعلم نيتنياهو، بل وتوصلنا لعدة إتفاقات. وللأسف الشديد، في النهاية كانت دائماً تحدث بعض الإنقطاعات، ولا أريد ان اخوض في اسباب ذلك الآن. لكنني اعتقد أن الشروط متوفرة لرسم مسار. ومثل عملية أوسلو، يجب أن يكون الأمر سرّياً.

ومتى تقول ذلك لنيتنياهو ؟
هو لا يختلف معي حول هذا. فهو ليس أمراً للإتفاق المطلق أو الإختلاف المطلق. وعلى كل حال فهو قد قبل خطّتي للسلام الإقتصادي لتحسين المستوى المعيشي للفلسطينيين في عدد من المجالات، وقد قام ايضاً بإلقاء خطاب جامعة بار-إيلان (الذي قبل فيه نيتنياهو فكرة إقامة دولة فلسطينية).
نحن لا نتفق في تقييمنا لأبو مازن، فأنا لا أقبل الإصرار على أن أبو مازن شريك غير جيد للمفاوضات. بالنسبة لي هو شريك ممتاز. العسكريون لدينا يصفون لي إلى أي مدىً تتعاون معنا القوات الفلسطينية لدحر الإرهاب.

اليوم هناك 550,000 من المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية. هناك من يعتقدون أن المستوطنين قد قضوا على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، لأنه لا احد له القدرة على إجلاء هولاء الناس ذوي الدوافع السياسية من منازلهم، وهو شرط ضروري لأي إتفاق مع الفلسطينيين.
المستوطنون لم يقضوا على فرصة إقامة الدولة الفلسطينية. المستوطنات تغطي فقط 2% من كل المنطقة، والفلسطينيون قبلوا إجراءات كلينتون التي تتضمن ترك 3 كُتَل من المستوطنات اليهودية واستبدال المنطقة الأخرى لصالحهم. وفي تقديري الشخصي كثير من الباقين سيغادروا بإرادتهم الخاصة. 
الصعوبة التي نواجهها تشبه حالة الرجل الذي يحمل مطرقة ويعتقد أن أي مشكلة هي مسمار. المشاكل ليست مسامير. إذا توفرت الإرادة الحسنة يمكن تجاوزها جميعاً. ينطبق هذا، على سبيل المثال، في موضوع المياه. قريباً سيكون لدى اسرائيل فائض من المياه بفضل تحلية مياه البحر وسنكون قادرين على معالجة نقص مياه الشرب لدى الفلسطينيين.
أنظر، الإضطرابات في جميع أنحاء العالم، المشكلة الفلسطينية ليست المشكلة الوحيدة في الشرق الأوسط. لكن هناك بليون ونصف البليون مسلم، المشكلة الفلسطينية تؤثر على مجمل علاقتنا معهم، وإذا تم حل المشكلة الفلسطينية سيُحرم المتطرفون الإسلاميون من الذريعة التي تبرر أفعالهم ضدنا. بطبيعة الحال هذا يتطلب تنازلات.
والمشكلة في هذه الحالة ليست فقط رئيس الوزراء لكن أيضاً تحالفه. أنا لا أدّعي أن السلام مع الفلسطينيين سيحل جميع المشاكل. الذين يفكرون بطريقة الإجتياح يكونون سطحيون. هناك أمران لا يمكنك عملهما دون أن تغمض عينيك: الحب والسلام. إذا حاولت أن تحققهما بأعين مفتوحة فلن تحقق أي شئ. السلام ليس شيئاً مثيراً، وإيجاده يتتطلب تقديم تنازلات عديدة وقبول تفاصيل مضجرة.
المرأة أيضاً، أحياناً تكون مثيرة وأحياناً لا. ليس هناك كمال. صناعة السلام أمر معقّد.

محمّد مرسي
لكن أي نوع من السلام نتحدث عنه ؟ انظر كيف أن الرئيس محمد مرسي أرسل اليك خطاباً في يوليو وبعد ذلك أنكر كتابته.
ولماذا يكون هذا مهماً ؟ الرئيس مرسي عليه الإجابة على عدد من الأسئلة الكبيرة داخل حزبه. أنا لم أتفاجأ بإنكاره، لكنني تفاجأت أكثر بحقيقة أنه قام بإرسال الخطاب. الأمر برمته يوضّح لي أن مرسي، مثله مثل أي قائد يتولّي الحكم، يواجه مآزق صعبة.
من السهل جداً أن تلعب دور المسلم الراسخ عندما لا تكون في سدة الحكم، لكن الأشياء تتعقد عندما تعتليها. خُذ مثلاً الإقتصاد المصري الذي يعتمد كلياً على السياحة. إذا لم يسمحوا للسيّاح أن يأتوا ويقضوا عطلاتهم بالطريقة التي تعجبهم، فلن يأتوا. لا بيكيني، لا سياحة.

ما هو السلوك الذي يجب أن تتبناه اسرائيل تجاه الربيع العربي؟
أنت تسأل أسئلة غبية. اسرائيل جزيرة في محيط، وعندما أسأل نفسي: "أيهما لديه التأثير الأكبر، المحيط على الجزيرة، أم الجزيرة على المحيط ؟" فعليّ أن أتحلّى بدرجة معينة من التواضع. الأمر المهم ليس هو كيف تكون علاقتنا به، بل ما الذي يجري الآن، لماذا هناك ربيع عربي. إنها ليست مباراة كرة قدم نحن نلعب فيها دور الحكم.
الجيل الشاب في العالم العربي يعاني من القمع والبطالة، هذا هو ما أتى بالثورة واستأصل الديكتاتوريات، لست أنا ولا إنت. العاصفة التي ضربت الشرق الأوسط تلزم كل دولة بالإختيار: إما ان تدخل عصر العلم أو لا. وإذا لم تفعل لن تكون هناك تنمية.
الجدل الرئيسي اليوم في مصر هو حول الدستور، وحول هل تُعطَى الحرية للنساء أم لا. من هذه الناحية يُحاكَم الربيع العربي.
سألني الرئيس اوباما رأيي في من هو الذي يمنع الديمقراطية في الشرق الأوسط، قلت له: "الأزواج". الزوج لا يريد لزوجته أن تكون لديها حقوق متساوية. بدون حقوق متساوية سيكون من المستحيل إنقاذ مصر، لأنه إذا لم تكن النساء متعلمات فالأطفال لن يتعلّموا، والذين لا يستطيعون الكتابة والقراءة لا يستطيعون كسب العيش، وسيكونون في عداد المنتهين.

في سوريا نهاية نظام الأسد اصبحت وشيكة. هل أنت قلق من ترسانتهم للأسلحة الكيمائية ؟
الأسد يعلم أن استخدام الأسلحة الكيمائية سيستدعي هجوماً فورياً بواسطة اطراف خارجية. العالم كلّه سيتعبأ ضده، سيكون ذلك عملاً إنتحارياً. من الناحية الأخرى، فمن الواضح أن أيامه باتت معدودة. واذا وُوجِه بموقف، دعنا نقول، كأن يصبح قصره في مرمى النيران مثلاً، يمكن يضعه ذلك في حالة غير عقلانية ويقوده لإرتكاب عمل يائس. إذا تجرأ السوريون على لمس أسلحتهم الكيمائية وتم توجيهها نحونا أو على مدنيين أبرياء، فليس لدي شك أن العالم كلّه – وكذلك اسرائيل – سيتخذ إجراءات حاسمة وفورية.

ويجب ألا نقلل من اهمية أن الأسد يمكن أن ينقل الأسلحة الكيمائية الى حزب الله، وهو أمر يمثّل من وجهة نظرنا عبور للخط الأحمر، وسيتعين على إسرائيل أن تمنع شيئاً كهذا من الحدوث وهي ستقوم بعمل عسكري حازم لتتأكد من ذلك.

خلال عدة أشهر.
بينما كنّا أنا وبيريز نتحدث، تصاعدت المواجهات بين اسرائيل وحماس. وردّاً على إطلاق الصورايخ بواسطة قوات حماس من قطاع غزة، قامت اسرائيل بإغتيال أحد القياديين العسكريين لحماس، واطلقت حملة قصف نالت إستنكاراً دولياً واسعاً إنتهت بوقف لإطلاق النار هندسته الولايات المتحدة ومحمد مرسي.

خليل الوزير
في بعض الحالات من الماضي عبّر بيريز عن معارضته استخدام اسرائيل للإغتيالات كسلاح لتحقيق اهدافها، فقد عارض قتل خليل الوزير - نائب ياسر عرفات قائد منظمة التحرير الفلسطينية - في تونس عام 1988م. وإغتيال الشيخ احمد ياسين المؤسس والأب الروحي لحركة حماس في غزة عام 2004. وهو أيضاً حَمَى عرفات من مؤامرات استدهفت قتله أو إبعاده. هذه المرّه عبر بيريز عن دعمه القوي للعملية الإسرائيلية.

"هذه لم تكن حرباً او عملية عسكرية، لكنها كانت درس تعليمي لحماس" – قال لي. "لقد تحركنا لنوضّح لحماس أن عليها أن تختار أحد أمرين، تريدون أن تبنوا منازلاً؟ لا بأس. تريدون أن تبنوا قواعد لإطلاق الصواريخ داخل هذه المنازل؟ إذن سوف نعتبر هذه المنازل أهدافاً لطائراتنا.

لكن خلال الحملة قُتِل كثير من المدنيين من الجانبين، الأكثرية كانت في غزّة.
نحن بذلنا جهداً فائقاً حتى لا يتضرر المدنيون في غزة بالرغم من أنه كان من الصعب جداً التفريق بين العسكريين من حماس وبين المدنيين. ليست لدينا الرغبة في سفك الدماء، لا دمائنا ولا دماء الآخرين. العملية كانت قصيرة، وفي اللحظة التي تم في فيها إستيعاب الدرس وردع العدوان، تم ايقاف العملية.

ما هو الدرس الذي تعتقد أن حماس تعلّمته؟
حماس ستبدأ في أخذ الحذر. وسيتعمّق الفهم بأنه ليس هناك شئ اسمه كوكتيل من إطلاق النار والسلام.

القائد السياسي لحماس، خالد مشعل، جاء إلى غزة للإحتفال بالعيد الـ 25 للمنظمة. وقد ألقى خطاباً عدائياً يبيّن أن العدوان لم يتم ردعه على الإطلاق. هل هناك احتمال أنه قد حان الوقت للدخول في حوار مع حماس ؟
إذا قبلت حماس بالمطالب الدولية، نبذت الإرهاب، اوقفت اطلاق الصواريخ علينا، واعترفت بحق دولة اسرائيل في الوجود، سيكون بالإمكان فتح باب المفاوضات.
من أين خرج خالد مشعل هذا فجأةً، بكلماته التي تأتي مباشرةً من العصور الوسطى؟ وتحديداً الآن، حين تعب العالم كلّه من الحروب والعنف، يخرج علينا من ظلمة الليل بهذه الرغبات الساديّة في الهجوم والقتل؟
هل هو فعلاً يظن أنهم قادرين على تدمّير دولة اسرائيل، بجيشها واستخباراتها؟ وكأننا مجموعة من الديوك الرومية ستذهب في مسيرة جماعية إلى وليمة عيد الشكر؟

ياسر عرفات
أنت لا تعتقد أن عرفات كان يجب إغتياله.
لا. لقد كان من الممكن إنجاز الإعمال معه. بدونه كانت الأمور أكثر تعقيداً. مع من غيره كان بإمكاننا أن نُكمل إتفاق أوسلو؟ مع من غيره كان بإمكاننا أن نتوصل لإتفاق الخليل؟
من الناحية الأخرى، فقد حاولت لساعات في النهاية أن اقدّم له دورة تدريبية كاملة حول: كيف يمكن أن تصبح قائداً حقيقياً. جلسنا معاً، وأنا آكل من يده، تحلّيت بالشجاعة وقلت له أنه يجب أن تُصبح مثل لينكولن وبن غوريون: أمّة واحدة وسلاح واحد. ليس قوات مسلّحة لا حصر لها كل واحدة تطلق النار في إتجاه مختلف. في البداية رفض عرفات وكان يقول: "لا لا لا" (يجيد بيريز محاكاة عرفات وهو يقول "لا" بالعربية)، لكنه لاحقاً قال: "OK". وقد كذب مباشرةً في وجهي دون أي حرج (بالإشارة لوعود محاربة المليشيات المسلحة والفصائل والمتمردة).

لقد طُلب منك من قِبَل كثير من الشخصيات المهمّة أن تخوض الإنتخابات في مواجهة نيتنياهو وتوحّد يسار الوسط. هل أنت نادم لأنك لم تفعل ؟
لقد ضغطوا علي بشدة لكنني خَلُصت إلى أنني لا يجب أن أخوضها لأسباب لا اريد أن أفصّلها. لقد تم إنتخابي كرئيس لمدة 7 سنوات، وسأنفذ هذا الإلتزام. إن سِجلّي هو الطريقة الوحيدة للحكم عليّ بأمانة. أنا لا أعتقد أن هناك العديد من الناس الذين يستطيعوا أن يقولوا أنهم تمكّنوا من خفض معدل تضخم قدره 600%؛ إنشاء خيار نووي في بلد صغير؛ الإشراف على عملية عنتيبي؛ إطلاق صناعة الطيران وإنشاء سلطة لتطوير الأسلحة، إقامة علاقات دبلوماسية عميقة مع فرنسا، وإطلاق حملة سيناء لفتح مضيق تيران ووضع حد للإرهاب من غزة.
أنا لا أدّعي أنني فعلت كل ذلك وحدي بالطبع. لكنني فقط أعتقد أنه ربما بدوني لما حدث كل ذلك. اسحق شامير كان رئيس وزراء لمدة سبع سنوات، ثم ماذا؟ أنا لا أعتقد أن سجلّي اقل منه منزلةً. 

شيمون بيريز وزوجته سونيا

لم يسبق لك أبداً أن تحدثت عن زوجتك، سونيا، وهي قد ظلّت غائبة عن حياتك العامة لعقود. لماذا؟
سونيا كانت دائماً تقول لي أنها تزوجت راعي بقر من الكيبوتس، وليس سياسياً. هي لا تحب الظهور الجماهيري ولا تحب الألقاب. وبالنسبة للحياة الأسرية، فأنت تحتاج لشيئين: الحب والتنازلات.

لا يبدو أنك تتنازل كثيراً، لكنها تفعل.
هي تنَازلت وأنا كذلك. أنا لم يسبق أن ألحّيت على الإطلاق، لم أطلب منها – في حال لم يكن ضرورياً - أن ترافقني. لم أقل: "تعالي معي فقط من أجل الظهور"، إذا قلت أن الأمر فقط من أجل الظهور، هي لم تكن لتأتي مطلقاً.


ومع ذلك، اتخيل أنكم بعد كل هذه السنين ما زالت لديكم نقاشات حول متى يجب أن ترافقك ومتى لا.
كانت هناك نقاشات، لكن كان هناك حب عميق جداً، من الجانبين، من جانبي وجانبها. فهي قد كانت الحب الوحيد في حياتي، ولقد اعطتني أعظم هدية يمكن أن تعطيها مرأة لزوجها، لقد ربّت اطفالنا بطريقة مثالية. وقد كانت تعرف احياناً انني لن اتمكن من حضور حفل أحد اطفالي، وكانت تسامحني.
واذا كان الأمر يخدم البلد، كانت ترافقني، واذا كان يخدمني من الناحية المهنية ستقول لي: "لا يا سيدي، حياة الأسرة في المنزل. لا تخلط الأشياء". لقد رافقتني لجائزة نوبل لأنها تعتقد أن الجائزة تخدم البلد ايضاً وليس فقط تخدمني.

قبل خمسة أعوام عندما اصبحت رئيساً، كانت تريدك ألا تقبل الوظيفة، ماذا حدث؟
قالت لي سونيا: "كفى، لقد قمت بدورك، فتعال لنعِش هذه السنوات مع بعضنا البعض". قلت لها: "أولاً وقبل كل شئ، انا لا اعرف ماذا افعل في وقت الفراغ. الشئ الثاني، هو أنني أعتقد أني استطيع ان اقوم بواجب هنا ايضاً، أخدم الوطن وأوحّده". قالت لي: "إذهب في طريقك، أنا باقيةٌ هنا". لم يكن هناك شئ يمكن فعله حيال ذلك. النساء يصبحن إنفعاليات حول أشياء لن يفهما الرجال أبداً. فحزمت حقيبتي وغادرت المنزل.

لقد أحطت نفسك بمعاونات من النساء. لقد قلت لي مرة أنه كان عندك مساعدين مميّزين من الرجال لكنهم في نهاية المطاف خانوك. بالنظر إلى الخلف، هل أنت نادم على أنهم لم يكونوا نساء من البداية؟
أنا دائما كنت محاطاً بالنساء. النساء لهن ميزة بائنة في قدرتهن على قراءة الناس، وأنا أثق في عينهن أكثر. كُل مرأة تُولَد أمّاً، وكُل رجل يموت طِفلاً. ليس هناك إمرأة تعتقد أن هناك رجلاً ناضج فعلاً.

وهنا تدخلت الناطقة الرسمية بإسمه:
"جيد، الآن أعط ردّاً ليس شوفينياً"
- بيريز: "هل كنت شوفينياً ؟"
- "لدرجة أزعجتني"، واضافت: "أنت تستمتع جداً بهذا الحديث الذكوري. اسمح لي، أنت لم تختر النساء لأنهن يعاملنك كطفل"
- بيريز: "أسألي أي شخص"، "لقد كانت لديّ افضل المكاتب في البلاد. لم يسبق لي أن قاطعت الرجال، لكنني وجدت لدى النساء موهبة إدارية إستثنائية"
- "لقد صحّحت نفسك قليلاً"

أنت تقريباً في عمر التسعين. هل تزعجك فكرة الموت؟
لا. إنه أمر منطقي. فبدون الموت لما كانت هناك حياة. لقد أعطيت حياتي، تلك الإثنتان ونصف البليون ثانية: وكشاب، كان علي أن أقرّر ما الذي أريد أن افعله بها. أ
جريت بعض الحسابات وقررت أن اقوم ببعض الأشياء بهذه الثواني، أن اصنع فرقاً، أن أؤثر في حياة الملايين من الناس. أعتقد أنني اتخذت القرار الصحيح. لقد تعاملت مع حياتي كهدية. وسوف أتخلّى عنها بدون أن اطلب المزيد.

هل ستعيش لترى السلام في الشرق الأوسط ؟
أعتقد نعم، أنا أؤمن بذلك. اذا كانت عندي عشر سنوات أخرى لأعيشها، فأنا متأكد من أنني سأحظى بشرف رؤية السلام يأتي لهذا الجزء الموحش والمدهش والرائع من العالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقك أدناه