إبحث

16 أغسطس 2005

حول الممارسة الديمقراطية داخل حركة حق

كَتبتُ هذه الورقة إدبان عضويتى بمكتب الطلاب العام لحركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق)، إنتهت كتابتها فى أغسطس 17، 2005م.
--------------------------------------------------------------------------


- حول الممارسة الديمقراطية داخل الحركة
  دفاع عن مكتب الطلاب .. وأشياء أُخرى
- حركة جديدة .. أم عقليّة جديدة ؟

تقديم
تواترت العديد من الأحداث داخل الحركة على مرّ الشهور القليلة الفائتة، وقد كانت فى مجملها إضافةً إلى فصول الخلاف الدائر فى أروقة الحركة، والحقيقة أننى منذ إنضمامى للحركة فى يناير/ فبراير 2004م الماضى، عرفت على الفور – وعرفت أن الجميع يعرف – أن الحركة بها تيارين مختلفين، تيّار "هيئة القيادة" وتيّار "هيئة العاصمة"، مما عنى لى إبتداءً أن الخلاف ذو طابع " تنظيمى" وليس " فكرى سياسى"، وإعتقادى أن هذا هو مكمن الخطورة التى تواجه الحركة وتضعها على حافة الهاوية وفى مفترق طرق. إلا أنه وبالرغم من أن الإحتقان كان سمةً سائدة، فإن الخلاف كان ذو وتيرة بطيئة وهادئة، بغض عن النظر عن طبيعته .. أديمقراطياً كان أم لا..! أو عن تأثيراته على مجمل أوضاع الحركة .. أإيجابيّاً كان أم سلبيّاً. ولم ترتفع وتيرة الصراع أو يأخذ طابعاً حادّاً – كما هو الحال الآن - إلا بعد أن دخل "مكتب الطلاب العام" فى المعادلة وبات واضحاً أنّ موازين القوّة داخل الحركة قد قُلبَت رأساً على عقب، وذلك فى نظرى، لأن قطاع الطلاب هو أكثر القطاعات فعاليةً - على المستوى السياسى والإعلامى - وهو أكثرها عضويةً أيضاً.




عمر الصايم
رئيس هيئة قيادة الداخل
 البداية
كانت البداية (فيما يتعلّق بعلاقة مكتب الطلاب بالقيادة) عندما أصدرت هيئة القيادة مذكّرتها الداخلية الأولى (تعميم رقم1) فى 11 مارس الماضى تُعلن فيه عن قيام تحالف سياسى جديد بناءً على مبادرتها هى، وتعلن فيه أيضاً أن الحركة "تتعرض لمحاولات تخريبية من قِبل حركة القوى الحديثة"  يقودها "الحاج ورّاق"، بالإضافة إلى عدة "محاولات أمنية لحرف الحركة عن أهدافها"  ..!

ردّاً عليها أصدر مكتب الطلاّب بالمقابل مذكرةً رفض بها الشكلية الإجرائية التى تمخّض عنها التعميم وإعتبر نفسه غير معنى بما جاء فى التعميم من توجيهات، لكنه - رغم ذلك - وضّح تثمينه للتعميم " كخطوة تنظيمية " من قِبل القيادة، بل وبيّن المكتب تفاؤله به كسلوك تنظيمى، وبما يمكن أن يقدّمه فى سبيل توثيق تجربة الحركة وتطويرها من خلال مساهمته فى تقليص دوائر الترهل التنظيمى الذى تعانى منه الحركة، وفى قطاع الطلاب بوجه خاص، وهو تفاؤلٌ ثبت لنا فيما بعد أنه لم يكن فى محلِّه.

توالت الأحداث إثر ذلك .. وقد كانت فى كل مرّة تزداد حساسية العلاقة مع القيادة، إلى أن قرر مكتب الطلاب فى أحد إجتماعاته أن الحركة بالداخل فى حاجة ماسّة لعقد مؤتمر عاجل تحسم فيه الكثير من الإشكالات وتحدّد فيه موقفاً موحّداً من عدد من القضايا، على رأسها قضايا الخط السياسى والإعلامى، وتؤسس فيه لترتيب أفضل على الصعيد التنظيمى فى المرحلة المقبلة، خصوصاً حول إشكاليّة "داخل/ خارج"، وعليه، قام المكتب بالتوقيع على "المذكرة المشتركة"  مع مكتبى العاصمة والمرأة فى يوم 8 يونيو الفائت.

كان رد فعل القيادة على هذه الخطوة أن أصدرت تعميماً آخر (تعميم رقم2) فى يوم (5)  يوليو الجارى يحمل فى طيّاته أحكاماً بالفصل والإيقاف على عدد من أعضاء قطاعى العاصمة و المرأة ، واكتفى بالإيقاف فيما يخص أعضاء مكتب الطلاب العام، وهنا بدت الحاجة ملحّةً لتوضيح المواقف وإزالة الإلتباس تفاؤلاً – مرة أُخرى- بما " تبقّى" من الحركة ومساهمةً منّى فى توثيق تجربة الحركة، وقطعاً للطريق - من ناحية أخرى – على ثقافة "القيل والقال" التى أصبحت سرطاناً ينخر فى جسد الحركة بلا رحمة.

أريد هنا –  فيما أريد - أن أدافع عن مكتب الطلاب العام، دفاعاً عنه فيما يعنى دفاعى عن الخطوات التى قمنا بها قناعةً منّا بجدوى مردودها على الحركة، ولتوضيح مدى "الإستقلاليّة" التى كنّا نتمتّع بها ونحن نتّخذ موقفاً معيّناً، بعكس ما أُشيع عن "تبعيّةٍ" ما، مزعومة، إلى مكتبَى العاصمة والمرأة!

وهو زَعمٌ يمكن أن يُعزى فى أفضل الحالات، إلى ما أسميته آنفاً بثقافة "القيل والقال" التى تفّشت فى أوصال الحركة فأحالتها من مؤسسة سياسية تتنكّب طريق السودان الجديد؛ وتتلمّس آفاق التغيير الإجتماعى؛ إلى شئٍ آخر أشبه بفصل من فصول المسلسل الإذاعى " دكان ود البصير" !!

من الممكن طبعاً أن نكون قد أسئنا التخطيط لكثير من الأمور خلال فترة قيادتنا للعمل الطلاّبى - هذا وارد - وهو موضوع آخر مختلف تماماً، إلا أنه – علاوةً على ذلك - ليس محلُّ نقاشٍ هنا، لأنه ببساطة لم يكن سبباً لإيقافنا. وسأبدأ ورقتي هذه بتحليل المذكرة الداخليّة الأولى (تعميم رقم 1) التي هى مُستصْغر الشرر الذي أتت منه النّار (فيما يتعلّق بالعلاقة بين مكتب الطلاب والقيادة)، وأعرّج بعدها على "المذكرة المشتركة" ثمّ المذكرة الداخليّة الثانية (تعميم رقم 2)، وسأحاول في كلِّ ذلك أن أكون محدّداً وواضحاً دون أن أكون مخلاًّ أو مملاًّ.

تعميم رقم 1
حوى هذا التعميم توجيهاتٍ من القيادة إلى الأعضاء حول 4 نقاط رئيسية أَجملَها إجمالاً، أتناولها حسب ترتيبها الذى جاءت به، لكننى قبل ذلك أريد أن أوضّح أن مكتب الطلاّب أسّس رفضه للتعميم على حق القطاع فى المشاركة فى عمليّة إتخاذ القرار، وهو حقٌ حرمته القيادة من ممارسته عندما إجتمع أعضاؤها فى 2 مارس الفائت دون أن توجَّه الدعوة لممثلَيْ القطاع لحضور الإجتماع، وهو ما أُعتُبر ضوءً أحمر فى أضابير مكتب الطلاّب، فقد أثارت هذه الخطوة الكثير من الشكوك والتساؤلات حول عدد إجتماعات هيئة القيادة التى غُيّب منها القطاع ..!؟ ونوعيّة القرارات التى تُتّخذ دون مشاركته ..!؟ بل إن الأمر قد إمتدّ إلى الحدِّ الذى شكّك فيه بعض أعضاء المكتب فى حقيقة أن القيادة " كهيئة " تجتمع أصلاً ..!!        

‌أ- بناء تحالف جديد
كشف التعميم لإول مرّة بصورة رسمية – وبلا تمهيد مسبق- عن قيام تحالف سياسى جديد سُمّى بـ "منبر القوى الديمقراطية" بناءً على مبادرة من هيئة القيادة، وهى المبادرة التى نتجت عنها – لاحقاً - مسوّدة "تحالف قوى السودان الجديد" التى تم توقيعها مع تنظيمات "التحالف الوطنى السودانى – جناح تيسير"، "المؤتمر السودانى"، "حركة تحرير السودان" بالإضافة إلى "الحزب الوطنى الديمقراطى"، وظلّت تنظيمات "الحزب الإتحادى الديمقراطى- الهيئة العامة" و"الأسود الحرّة" و"مؤتمر البجا" على سبيل الترشيح، وبناءً على ذلك وجّهت القيادة الأعضاء إلى " فتح الحوارات على المستوى القاعدى" مع تلك التنظيمات.

ولا إختلاف – حقيقةً – مع القيادة فى حاجة المرحلة إلى المؤسسات الديمقراطية "الجديدة" والفعّالة، وهو أمرٌ قد حسمته حركتنا قبل 10 أعوام من الآن، ولم تكن تشكّل الصورة التى تتخذها هذه المؤسسات لتنظيم نفسها (جبهة، تحالف، منبر، تجمّع ...إلخ) أهميّةً عندنا بقدر ما تشكّل تفاصيل تلك الصورة، فمن ذا الذى يستحق أن يُوصف بأنه "جديد ديمقراطى" بالمفهموم الذى نرمى إليه فى حركتنا ..؟ وعلى أى أساسٍ كان تحالفنا معه ..؟ وما مدى إستفادة الحركة من هذا التحالف على الصعيدين التنظيمى والسياسى؟ بل وما مدى إستفادة الواقع السياسى والإجتماعى على مستوى مشروع " التغيير" وترسيخ أسس السودان الجديد؟ هذه كلّها أسئلة واضحة وموضوعيّة، وتحتاج إلى إجاباتٍ بذات الدرجة من الوضوح والإقناع ..!

إن قيام تحالف جديد سواءً كان بناءً على مبادرة هيئة القيادة أو المكتب السياسى أو أىٍ من هيئات الحركة الأخرى .. يجب أن يدار حوله حوار طويل وشفّاف داخل الحركة أولاً حتى تتسنّى دراسة مردوده على مختلف المستويات بصورة مستفيضة وموضوعيّة، وحتّى تتم بلورة رؤية موحّدة حوله يساهم الجميع فى إنتاجها، وهذا – على الأقل – للإتساق مع مفهوم الديمقراطيّة نفسه ..!! هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى .. لضمان تفاعل الجميع مع الخطوة كردُّ فعلٍ طبيعىٍ لمشاركتهم فى إنتاجها. أمّا إصدار المذكّرات الداخليّة لتحمل الأوامر إلى الأعضاء بفتح الحوار "على المستوى القاعدى" مع المنظومات المرّشحة للإنضمام إلى المبادرة .. هكذا .. ودون تمليكهم المعلومات والحقائق اللازمة لإدارة ذلك الحوار، وعزلهم – بقصد أو بغير قصد – عن المشاركة فى عملية إتخاذ القرار ..! فهذا لا يعدو كونه مَلمَحُ نَزعةٍ مركزيّةٍ لدى القيادة لا يحتاج لقولنا بأنه مرفوض.

‌ب- وحدة وأمن الحركة
نضم صوتنا إلى صوت هيئة القيادة فيما يتعلّق بهذه النقطة، لا لشئٍ إلا لأن "وحدة التنظيم" و "أمن التنظيم" هما من المبادئ التنظيمية المنصوص عليها فى النظام الداخلى، ومن ذات المنطلق نوَكِّد على التوجيهات الثلاثة التى وردت فى التعميم تحت هذا البند، ونوردها هنا لمزيد من التأكيد:

- تأمين كافة أنشطة الحركة.  
- إلتزام الهيئات الدنيا بقرارات الهيئات العليا.   
- التمييز بين إنشاء وقيادة تيار ديمقراطى داخل الحركة وآخر لا ديمقراطى - سمّاه التعميم بالتكتّل التخريبى ..!!


هبة النور
نائبة رئيس
 مكتب الطلاب العام
إلا أن مكتب الطلاب عندما رفض التعميم كان يتمسّك بحقّه كاملاً فى أن يُملَّّك كافة المعلومات عن " المحاولة التخريبية من حركة حق الحديثة " وعن " المحاولات الأمنية لحرف الحركة عن أهدافها "، وفى توضيح علاقة عضو المكتب السياسى المستقيل "عمر كمال (رنقو)" بهذه المحاولات، بالإضافة إلى ملابسات وتفاصيل إستقالته، وهل كان "رنقو" يعمل من تلقاء نفسه أم بتوجيهات مباشرة من المسؤول السياسى حسب تكنيك العمل المتّبع ..!؟ وما هو مدى تأثر القطاع جرّاء تلك المحاولات ..!؟  إلخ .. إلخ..

وقد كان المكتب يرى أن تماسك العضوية وحرصها على أمن التنظيم على خلفيّة المعلومة المتوفرة فى سياقها الديمقراطى المؤسسى، هو أنجع قطعاً – وبلا شك – من حدوثه على خلفيّة خطرٍ ما متوَهّم فى الأذهان دون الإحاطة بأبعاده وطبيعته، فهذا الأخير من صفات المؤسسات السياسيّة العقائدية ومن سمات الأنماط الإدارية البوليسية، وهما أمران لا يليقان .. لا بحركتنا ولا بمشروعها.

‌ج- المؤتمر العام للحركة
فيما يتعلّق بهذه النقطة لم يكن هناك ثَمّة خلاف مع القيادة فى أن تحديد تاريخ لقيام المؤتمر العام يتم بالتشاور بين هيئات الحركة فى الداخل والخارج، وإن كان للمكتب رؤية فى أن التاريخ كلّما كان قريباً كان أفضل للحركة على كافة المستويات. إلا أن المكتب كانت له رؤية مختلفة حول "المؤتمر العام" نفسه ..! تتلخّص فى أن الإعداد للمؤتمر العام لا يتم إلا بعقد " إجتماع عام للداخل" أولاً يسبق " المؤتمرالعام"، يُحدِّد فيه الداخل رؤيته الموحّدة حول كافة قضايا الخط السياسى، العمل الإعلامى والتراتيب التنظيمية، بالإضافة إلى مشكلة التمويل، لا سيّما وأن القيادة الحالية قد تم إنتخابها فى إجتماع عام لعضوية الحركة بالداخل، ومن الموضوعى أن تُقدّم خطاب نهاية دورتها وتقرير ميزانيّتها وأن تتم محاسبتها فى "مؤتمر للداخل" وليس "المؤتمر العام" ..!! ولا أظن أن هناك غرابةً فى الأمر.. إلا أن الواضح مما جاء فى التعميم أن القيادة قد أسقطت الأول من حسابها تماماً ..!!
وحتّى ذلك الأخير الذى كان من أولى أولوياتها الشروع فى الإعداد له ليقوم خلال فترة زمنية لاتتعدى 6 شهور من تاريخ إنتخابها، مضت عليه الآن حوالى الـ 19 شهراً .. ولا شئ يلوح فى الأفق ..!!


عبد الله عيدروس
عضو مكتب العاصمة
‌د- الوضع التنظيمى لمكتب العاصمة
لم تُملِّكنا القيادة أى معلومة عن هذه الوضعية التى أُوحىَ لنا بأنها غير سليمة، إلا أن المكتب وبإتصالاته الأفقية مع لجنة قيادة العاصمة شكّل حولها خلفيّة جيّدة، وقد علمنا أن الوضعية "الغير سليمة" تلك قد تمّت نتيجة إجتماع عام لعضوية العاصمة حضره رئيس هيئة قيادة الداخل والمسؤول السياسى السابق "عمر الصايم" والمسؤول التنظيمى "الأمين خضر" بالإضافة إلى ممثل العاصمة المنتخب من إجتماع الكلاكلة  "أحمد جادالله"، وأن هؤلاء جميعاً لم يعترضوا – فى حينه - على مقررات ذلك الإجتماع الذى أفرز تلك الوضعية "المختلّة". 

هذه الحيثيّات ملّكتنا لها هيئة العاصمة .. ونحن – خلافاً لما يجب أن يكون – إفترضنا فيها نسبة كبيرة جداً من الخطأ، وذلك لأننا إستصحبنا معنا طبيعة العلاقة المتوترة بين الهيئتين "العاصمة" و"القيادة"، وإعتمدنا فى إتّخاذ موقفنا من قضيّة الوضع التنظيمى لمكتب العاصمة على درجة عالية من الشك، وعلى صرامة فى التناول الإجرائي، فآثرنا أن نستجلى الأمر عبر ممثلي القطاع (هبة النور وحسام مصطفى) من إجتماع للقيادة، فتم توجيهه بأن يدعو لإجتماع طارئ لهيئة القيادة يستوضح فيه عن جميع النقاط مثار القلق، ومنها قضيّة مكتب العاصمة، هذا حتّى تكتمل عندنا الصورة من جميع الزوايا، وحتّى نحفظ للمكتب إستقلاليّته بأن ندرأ شُبهة "التبعيّة" التى كان من السهل إطلاقها .. لكننا فشلنا فى مسعانا ذاك أيضاً. 

تعليق
مجمل ما أحب قوله هنا هو أن هذه المواقف التى إتخذناها، كانت تحتاج، أقلّ ما يمكن أن تحتاجه، الحوار .. الأخد والعطا .. النقاش .. أو "المواجهة" بمعنى آخر، وهذا أيضاً أقلّ ما يمكن أن تقدّمه قيادة مسؤولة وحكيمة لعضويّتها ..! ومن كان يدرى ..!؟ فلربما إستطاعت هيئة القيادة أن تقنعنا بوجهة نظرها التى لم نعرفها حتّى الآن ..!! وليس أدلّ على أن الذين يُمسكون بمقاليد القيادة "الإجرائية" بالداخل لا يعرفون للقيادة وجهاً آخر سوى إنزال التعميمات بإيقاف ذاك وفصل تلك، مِن أن العضوية قد عرفت بتكليف الدكتور "عمر النجيب" رئيساً للجنة التنفيذية للحركة من "موقع سودانيز أون لاين"  ..!! وهى لا تعرف – حتى الآن - أن المسؤول السياسى "عمر الصايم" قد غادر الحركة تماماً ..!! وأما الأدهى والأمَرْ .. فهو أن المذكّرة الداخلية الأخيرة (تعميم رقم2) – بالإضافة لما سبق - لم تحوى لنا خبراً بآلية تسيير العمل فى المرحلة المقبلة ..!! هل تمّ - أو سيتم-  تكليف مسؤول سياسى مؤقت ..!؟ أم سيُتّبع أسلوب القيادة الجماعيّة مثلاً ..!؟ خصوصاً وأن مغادرة المسؤول السياسى للداخل تُعجّل بالإجراءات وتجعلها أكثرُ إستثنائيةً. هذا من الناحية التنظيمية الرسمية .. أمّا إذا أردنا الأخذ "بالقِوالات" التى أضحت هى "صاحبة الوقت" داخل الحركة .. فإن "عمر كانديك"  هو المسؤول السياسى الجديد، وهو يرى أن الموقّعين على المذكّرة المشتركة ما هم إلا مجموعة من "المخرّبين" الذين يجب تفويت الفرصة عليهم .. وعليه فقد وجّه بإصدار أحكام الفصل والإيقاف الواردة فى آخر تعميم ..!! 

الورّاقون الجدد .. ما أشبه اليوم بالأمس
المذكرة المشتركة كانت هى السبب المباشر لإيقافنا على مستوى مكتب الطلاّب العام، فقد جاء فى تعميم رقم2 النص الآتى:" إيقاف ممثلى مكتب الطلاّب المشاركين فى المذكّرة"، ومهمٌ هنا الإشارة إلى آلية الإيقاف بواسطة "التعميمات" ..!! فالمعروف أن "الإيقاف" كإجراء (وكسياق عام لأى إجراء تنظيمى فى صورته العقيمة) يتم بتوجيه مذكّرة للهيئة التى يعمل بها العضو المعنى، تحوى المذكرة بصورة أساسية شرحاً وافياً من "الهيئة الأعلى" للحيثيات التى حدت بها للمطالبة بإيقاف العضو المعنى بالإضافة إلى توصيتها بطبيعة الإجراء المناسب بحقه، وبناءً على المعلومات الواردة فى المذكّرة تقوم هيئة العضو بمواجهته للإستيضاح منه مباشرةً فى إجتماع خاص، وإذا ما توصلت إلى وجوب إيقافه تقوم هى بالإجراءات التنفيذية المباشرة بحقه، وتحدد هى - بعد إخطاره بالإجراء الصادر بحقه - زمكانية التحقيق وآليته. أمّا أن يكتشف الموقوفون أن حُكم إيقافهم قد عرفه رفاقٌ لهم قبلهم من خلال مذكرةٍ نزلت عليهم من علٍ .. فهى "التصفية" بعينها ..!!
  
لنقرأ ماذا جاء فى بيان اللجنة التنفيذية لحركتنا 8 فبراير 2000م  حول إنشقاق الحاج ورّاق:
"إن لدينا الآن المئات من الأسماء ممن تم فصلهم بهذه التُهم والدعاوى، دون التحقيق معهم أو السماح لهم بالدفاع عن أنفسهم، بل دون إبلاغهم حتّى بالعقوبات التي أتّخذت بحقهم، والتي يسمعونها مثلهم مثل غيرهم كإشاعاتٍ يسعى بها قاذفون.
لقد أشاع ذلك جوّاً مريضاً في أوساط الحركة بالداخل جعل الناس يفرون منها بنفس الدرجة التي جاءوا بها إلى صفوفها، وجعل نشاطها يتدهور وبريقها يخبو مع أنّها سجّلت خلال ثلاثة أعوام أكبر وتائر للنمو حققها تنظيم سياسي في الشمال". 

وجاء فى ذات البيان إستنكاراً من اللجنة التنفيذيّة بالخارج للأسباب التى كان يتذرّع بها "ورّاق" لتصفية معارضيه وكان منها: الإتهام بالعمالة للأجهزة الأمنية ولتنظيم الجبهة الإسلامية أو العضوية فى تنظيمات سياسية أخرى

من المضحك أنّهم يريدوننا أن نحذرَ "ورّاقاً" ..!!؟ فيا عجبى منهم .. أوَنَسى هؤلاء أنه قد إتّبع ذات النهج ..!!؟
لقد ارتكب خطأً كبيراً من ظنّ أن "الحاج ورّاق" قد غادر الحركة، يرجع ذلك إلى الرؤية التي تتناوله كـشخص، وهو بهذا المنطق قد غادرها فعلاً، والواقع أن عقله مازال موجوداً يسعى بيننا ويعيثُ فساداً ..!!

إن ما حدث من إجراءات تنظيمية قضت بالفصل للبعض، والإيقاف للبعض الآخر، بسبب إتخاذهم لمواقف مشروعة وديمقراطية، لكنّها مخالفة لرؤية القيادة ، ما هو إلا إمتداد لسلسلة المجازر التنظيمية الورّاقية .. وأرى أنّ سلوك بهذه الملامح لا يحتاج لقولنا بأنه ردئٌ كفايةً لنتحرّج حتى من وصفه بأنه "قديم".  

هيئة قيادة الداخل وسؤال العقليّة ..
كل التفاصيل آنفة الذكر، بالإضافة إلى غيرها الكثير كانت كافية لتجعل الكثير من الأعضاء، وتخصيصاً فى قطاع الطلاب، يبدو لهم أن ألحركة قد ركبت قطار الهَويّة ، وأن مشروع القوى الجديدة قد بدأت شمسه فى الأفول قبل أن يكتمل إشراقها. فقد غادر الكثيرون الحركة بنفس قوّة الإندفاع التى جاءوا بها إلى صفوفها، بل إن البعض فرّ منها دون أن يكتب إستقالته .. لأنه رأى أنها لم تعد تستحق " هذا العناء "، وبقى آخرون يعضون على أصابع اليأس .. أو متفائلين عاجزين فى أحسن الأحوال.

كان للعقلية الإدارية التى تتعامل بها القيادة مع مُعطيات الواقع السياسى وإشكاليات الوضع التنظيمى دوراً كبيراً فى تشكيل تلك الصورة المُنفّرة، وكان واضحاً لنا فى مكتب الطلاب - من خلال العمل - أن مُعظم أعضاء هيئة القيادة  لا يتوفرون على آفاق رحبة أو تصورات جديدة تُمكنّهم من تجاوز العقبات التى تواجهها الحركة على مختلف الصُعُد، وهم لذلك يتوهمون دائماً أن المؤامرات تحاك ضد الحركة وأن "المخرّبين" يتربصون  بها الدوائر ..!!

يحضرنى الآن موقف عضو هيئة القيادة عمر كانديك الذى طالبنا مرّة برفض مساهمات " ناس العاصمة والمرأة " لأنهم " ممكن يمنّو علينا " على حدّ تعبيره، وقد كان يقصد بـ "علينا" هنا هيئتهم القيادية الموقّرة ..!!

كان ذلك إبان الحملة الإنتخابية لإتحاد طلاّب جامعة الخرطوم، فى الوقت الذى مثّلت فيه مساهمات " ناس العاصمة والمرأة " تلك المصدر الرئيس للتمويل، وفى الوقت الذى فشلت فيه القيادة فى الإيفاء بإلتزاماتها المالية، فقد كان " كانديك" حريصاً على ألا يترك الفرصة لأعداءه المفترضين ليمنّوا عليه، لكنه لم يكن يأبه لما يمكن أن تواجهه عضوية جامعة الخرطوم من سخرية وتحقير جراء فشلها فى تسديد إشتراكات "التحالف" ، أو ما يمكن أن يتعرض له موقف الحركة عموماً فى الخارطة السياسية للجامعة جراء ذلك.

هناك موقف آخر من المهم جداً إيراده للدلالة على مستوى التصوّر الذى كان يتعامل به أعضاء هيئة القيادة مع الإشكال التنظيمى داخل الحركة - أكثر من ذلك - للدلالة على مدى حرصهم على الحركة وعلى المشروع.

إجتمع مكتب الطلاب العام مع رئيس هيئة قيادة الداخل والمسؤول السياسى فيها "عمر الصايم"، كان الإجتماع على خلفية تقديم "المذكرة المشتركة" للمسؤول التنظيمى، جاءنا الرجل يحمل حديثاً شديد اللهجة حول خطورة الخطوة التى قمنا بها، وردد لنا عدداً من عبارات التنديد والتحذير من العواقب التي يمكن أن تحدث .. حتى وصل حديثه إلى الفقرة الآتية:

"نحن غايتو موضوع العاصمة والمرأة ده محسوم عندنا .. والمكاتب دى مكاتب ما تنظيمية .. والأفراد اللى فى قيادتها لا همّ لهم سوى إفتعال الصراعات .. وفيهم ناس زى غلامابى مثلاً .. غلامابى ده أنا جبتو معاى من حزب البعث .. وكنت أنا رابطو ربط خيطى .. والناس كانو قايلنو أمنجى .. الليلة غلامابى  داخل الحركة يقتات على سمعة عمر الصايم .. والموقف عموماً أنا شايف إنو فعلاً حساس .. وبيحتاج لإرادة سياسية  .. ونحن ما بنقبل الغلط .. والصاح هو البمشى فى النهاية .. وإنتو إذا مصرّين على موقفكم من القيادة وبتعتبروها ما شرعية .. فنحن مضطرين نشوف لينا مكتب طلبة شرعى يتعامل معانا .. وإنتو أمشو شوفو ليكم قيادة شرعية تمثّلكم .. واللى عايز ينقسم ينقسم .. لأنو الموضوع فى النهاية موضوع إرادة سياسية"

هكذا قال لنا الرجل .. وعندما قلتُ له : "كلامك ده غريب يا الصايم .. منو القال القيادة ما شرعية؟" ..
وهنا بلغت دهشتنا قمّتها .. لقد إكتشفنا أن الرجل جاء يُلقى علينا خطبةً عصماء عن "الإرادة السياسية" فى الوقت الذى لم يطّلع فيه على مذكرتنا أصلاً ..!!


الباقر العفيف، عضو اللجنة التنفيذية
خطاب اللجنة التنفيذية الأخير:
خطوة للأمام أم هروب للأمام ؟!
أرسلت اللجنة التنفيذية خطاباً عبر البريد الإلكترونى فى يوم 26 يوليو 2005م الماضى، أعتقد أنّه لم يمس جواهر القضايا، ومثال لذلك تجاوزه الغير مفهوم لموقف مكتب الطلاب، فى حين أن مكتب الطلاب هو أحد الهيئات التى وقعت على المذكرة المشتركة، لا أدرى هل كان ذلك سهواً أم تكتيكاً ..! وهل تعتقد اللجنة التنفيذية أن محور الصراع كلّه هو "فهم اللوائح" ..!؟  فقط لا غير ..!؟ حسناً .. بما أن المشكلة هى مشكلة  "نص" له عدد من التفاسير .. فما هو المقياس الذى حددت به اللجنة التنفيذية أن الفهم الصحيح هو فهم القيادة .. هل هناك standards أو "شروط بخارية" يمكن أن نُحدّد وفقاً لها أن وجهة النظر الصحيحة هى الوجهة "الفُلانية" ..!؟

يبدو أن هناك خللاً فى تصور اللجنة التنفيذية لطبيعة الخلافات، لا أعرف أين مكمنه، ويبدو لى أن للأمر علاقة بتغييب المعلومة، وهو حجرٌ ظلّ يُعثّر مسيرة الحركة منذ نشوءها، فبالأمس كانت وسيلة التواصل الرئيسة بين الداخل والخارج هى الهاتف، واليوم هى البريد الإلكترونى، وكلاهما لا يصلحان لوحدهما لإدارة عمل سياسى .. أياً كانت طبيعته أو كان حجمه.

تحتاج اللجنة التنفيذية لأن تعرف أن الخلاف هو حول الممارسة الديمقراطية داخل الحركة، فليس الأمر حول من هى "الهيئة الأعلى" أو من هو "الهيئة الأدنى"، وإن كان ذلك جزءً من المشكلة لدينا حوله رؤية مختلفة عمّا جاء فى خطاب اللجنة التنفيذية، فنحن نتوفّر على وجهة نظر إعتقدناها كافية للخروج بالحركة من نفق الخلافات "القديمة" التى لا تشبه مشروعها الذى تدعو إليه، وطالبنا بمؤتمر للداخل، أردنا فيه "المواجهة" بين الطرفين المتصارعين حتى تنتهى هذه "الحدتوتة" المملّة، فبالنسبة لنا فى مكتب الطلاّب لم يكن مهمّاً إن كانت هيئة العاصمة تضم عدداً من المنتمين إلى جهاز الأمن أو أن هيئة القيادة بها مجموعة من الإنتهازيين الذين يمتهنون السياسة ويوظّفون أموال الحركة لمصالحهم الشخصيّة، كل ذلك لم يكن مهمّاً بالنسبة لنا بقدر ما يهمنا تناول تلك الحيثيات فى "مؤتمر للداخل"، والواقع أننا وجدنا القيادة هى التى تتهرب من المواجهة، متذرّعةً بأسباب غير موضوعوية، و لم أفهم كيف تطلب اللجنة التنفيذية من أعضاءها – فى جوٍ كهذا – " توجيه الطاقات للعمل، وإثبات الجدارة والإمتياز، والكفاءة القيادية بالإنجازات الملموسة، وبالتضحية والتجرد ونكران الذات" ..!؟ أليس هو الهروب إلى الأمام ..!؟

أمّا فيما يتعلّق بالمؤتمر العام للحركة، فاللجنة التنفيذية إنطلقت من مفهومٍ غريبٍ له، فالمؤتمر لا تقوم به اللجنة التنفيذية وحدها، بل تقوم به جميع عضوية الحركة من خلال لجنة تحضيرية يشارك فيها أكبر عدد ممكن من الأعضاء، وتقام فى سبيله عدد من الورش بخصوص القضايا الرئيسية لتتاح أكبر مساحة ممكنة للحوار والنقاش، وما فعلته اللجنة التنفيذية هو أنّها قسّمت نفسها إلى لجان فرعية تتولّى عملية الإعداد، وهو عملٌ ينطوى على إحساس خفى لدى أعضاء الخارج بأنهم هم الحركة، ويبدو أن للأمر علاقة بحقيقة نشوء الحركة بالخارج.

على اللجنة التنفيذية أن تتوكد من المعلومات التى تستقيها من الداخل حول طبيعة الخلاف، كما عليها أن تضع فى إحتمالاتها أن الحركة بالداخل قد لا تصل إلى مرحلة المؤتمر أصلاً ..!! أو بمعنى آخر، إحتمال ألا تترك القيادة الحالية الفرصة متاحةً لخصومها من أن يواجهوها فى مؤتمر عام أمام أعضاء اللجنة التنفيذية، فهى لم تقبل المواجهة حين أمكنها أن تروج الأكاذيب وتلفّق التُهم دون رقيبٍ أو عتيد، فكيف تفعل ذلك بحضورهم ..!! وعلى دكتور النجيب وباقى أعضاء اللجنة التنفيذية إذا كانوا حريصين على ما "تبقى" من حركتنا أن يستوعبوا دروس الماضى القريب، فقد وجد "ورّاق" فرصةً كافية لتصفية خصومه بالداخل لأن قيادة الحركة بالخارج أصرّت على الوثوق به وظلّت تتعامل معه بإعتباره قيادة شرعية إلى أن فوجئت بأنها كانت توفّر له الغطاء الذى يحتاجه ليُحيك مؤامراته دون "إزعاج" أو "شوشرة".

خاتمة
لقد جئنا إلى الحركة قناعةً منّا بمشروعها، ولسوف نظل فيها إلى أن يثبت لنا - وبالتجربة العمليّة - أنها قد أصبحت سجناً لفعاليتنا وليس إطاراً لها،  إلا أن هذه فى الواقع  ليست – فقط - هى القضية، فهى أوسع نطاقاً، القضية هى ما يمكن أن يؤول إليه حال القوى الجديدة كمشروع فى حال ذهبت تجربتنا هذه أدراج الرياح ..!!  هل ستظل الفرصة متاحةً  لقوىً حديثة وجديدة أخرى للنشوء ..!؟ وبمن وكيف سيُملأ الفراغ الذى يولّده الحراك الإجتماعى والسياسى فى البلاد ..!؟ وهل سيحتفظ الخطاب الديمقراطى العلمانى بموقعه كمدخل للإستنارة والتحديث ..!؟ وهناك العديد من الأسئلة الأخرى التى تتوافد على رأسى تطلب أن الإجابة بهذا الصدد .. لكننى سأكتفى بهذا القدر .. ولنرى ما الذى يمكن أن تجود به الأيام ..!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقك أدناه